بالسيف , وتنتزع غداً بالسياسة. فتَحَها جورجو قائدُ الروس , وانتزعتها منهُ معاهدةُ سان استفانوس! جوَّادةٌ بما لا تملك. لم تتحرَّر قط , ولكنها وهبت الشعوب الحرية , ولم تنعم بالاستقلال حقبةَ من الدهر , ولكنها أنعمت بهِ على جاراتها. لو استطاعت لأخذت مثل ما وهبت! سِجِلٌّ يكتبُ فيهِ القلم كما يكتبُ فيهِ السيف. لهذا صفحة تنطوي على دمٍ وعلى نار , ولذاك صفحة تنفتحُ على عهودٍ ومواثيق. ما كانت الأولى غير أسبابٍ , وما كانت الأخرى سوى نتائج. كذلك وقَّع فيها السلطان محمود معاهدةَ صلحهِ مع قيصر الروس , تلك المعاهدةَ التي وسعَّت منطقة روسيا في آسيا , وكتبتْ للسرب ورومانيا فاتحة عهدها بالاستقلال , وكذلك دُوّنَ فيها اعتراف التركِ بتحرّر الرُّوم , ذلك الاعترافُ الذي أعزَّ هؤلاء , وأطلقهم من ربقة الاستعباد. مَيدانٌ للحرب , لا ميدانٌ للعقل. ضرَبت فآلمتْ , وقاتلت فقتلتْ , ما أنكر أحدٌ بأسَها , ولا استخفَّ ملكٌ حملها. ليتها كانت ربَّةَ رأيٍ مثلما كانت ربَّة حسام. للقوَّةِ شأنٌ , وللسياسةِ شأن. ما وفَّقت بينهما , ولا استفادت من جمعها. فالبلادُ التي أغارت عليها عادت إليها مكتسحةً مُغيرة , والقومُ الذين أراقت دماءَهم , قويَ ساعدهم عليها فأراقوا دمها. وإنما الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. مَن استفاد من نِعَم الأوَّل هوَّن عليهِ شرورَ الثاني.