وأنزههم قلماً , وأمضاهم بلاغةً , عنينا به ولي الدين بك يكن الكاتب المشهور , وصديق قرّاء الزهور. التجاريب تكاد تكون صفحةً من الصحائف السود ولم ينسَ القرّاء ما في الصحائف السود من تنهدات وزفرات تأخذ بمجامع الفؤاد , وتحرّك كامن العواطف. في هذه وفي تلك , كما في المعلوم والمجهول أنّهُ رجلٍ حرّ صادق , يردّد صداها قلم شاعرٍ ملَكَ أسرار البلاغة واستسلمت له عرائس المعاني. ولكنَّ الشاعر في التجاريب كثيراً ما يشفُّ عن الوطني الذي يتألم مما آل إليه وطنهُ المفدَّي , ويحاول أن ينزل إلى ميدان السياسة ليناضل عن حوزتهِ. ما جرى قلم وليّ الدين قط إلاَّ بما خفق بهِ قلبهُ وتحرَّك له لبُّهُ , وهذا سرُّ تأثير كتاباتهِ. أقرأ مقدمة مؤلفهِ الجديد تفهمَ بعض ما يخالج ذلك الصدر. وهاك المقدمة مكتوبة بخط يده.
مقدمة المؤلفَّ بخط يده
كل ما يتعلمه المرء من حوادث الأيام تجربة. وما يستفيد التجربة مستفيدها إلا وقت امتلكها بشيء يخسره من الأمل. ولو كنا نعني بتقيد الغطات وهي أقمع ما بقي مفاضت من الكتب الضجة وسالت. ولكن ما يسلم من النسيان قليل وفي ذاك القليل ذكرى إذا استعادها المرء وجد راحة في استعادتها. هذه آلام مصورة وشكاوي متجسدة. هذه هدية العداد المطروح إلى الأفئدة المقروحة. أن للأفئدة منجيا تتفارق في تتألف إذا لم تنفع اليوم تنفع عدا.