على أن هذا النوع الأنساني منذ نشأ على اليوم يتعشق الزهر , ولا يطيب له مجلس لهوٍ إلا إذا كان للزهر فيه المقام الأول منثوراً ومنظوماً صحباً أو أشتاتاً. بل كلنا يود أن يكون له بستان فيه زهر. ومن لم يجد هرع وقت فراغه إلى الحدائق العمومية. ومَن لم يجد من الفلاحين أعجبه كثيراً أن يقيم وقتَ أنسه على قرب من زهر الفول. ومن لم يجد اتخذ له صورة بستان أو خيال بستان من الزهر في آنية الفخَّار يضع فيها القرنفل والورد في شبابيك داره. بل أصبح من القضايا البديهية أن الدلالة الوضعية على رقي أمة عنايتها بالزهر واستمتاعها به. وما هذا الاستقراء التام إلا جاعل نسباً ثابتاً بين الزهر والأنس ومسارح العواطف وحركات القلوب. لقد يسمج التعليل المنطقي في موضوع كهذا خفيفٍ بطبعه لا يحتمل ثقل المنطق ورصانة الدليل. ولكني أستأذن القارئ أن أستدل بهذا الاستقراء على أن الزهر من دواعي التقريب بين القلوب , ومن عوامل الائتلاف بين الجنسين. وقد كان دائماً مفتاحاً تستفتح به هدايا الوداد. بل اتخذت ألوانه المتنوعة وأنواعه المتعددة علامات على المشاعر المختلفة التي لها علاقة بذلك المعنى المعروف بآثاره المجهول بكنهه وهو الحب. وإذا كان الزهر من دواعي الحبو وكان الحب داعية حفظ النوع , وكان الربيع خير الفضول في وقرة زهره وجماله , فهل يستطاع الأمل بأن هذا الربيع يدعو اللواة المماطلين من أبنائنا وبناتنا إلى فكّ الاعتصاب الذي لزمهم أو لزموه هذه السنين الأخيرة عن أكبر واجب حيوي؟ فينزل