للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنه قام ينشر في الشرق مذهب دارون وشرح بختر عليه يوم كان أنصار هذا المذهب في أوروبا نفسها لا يتجاوزون عدد الأصابع. ولذلك قامت القيامة على هذا الكاتب الجديد الذي كان يريد أن ينقض كل ما بناه أسلافه. ولكن كل ذلك لم يثبط منه العزائم ولم تزده المعاكسات إلا رسوخاً في آرائه حتى ألفها الناس منه ولو لم يوافقوا عليها. وتعودوا سماعها الآن من طبيبهم وفيلسوفهم الشيخ بعد أن استكبروها من الشاب منذ ثلاثين سنة. والثبات على المبدأ - أياً كان - والتفاني في سبيله لمما يدعو إلى الإعجاب بصاحبه. ولو كان الدكتور شميل مؤمناً، لكان من أحر المبشرين وأعظم الشهداء. لأنه من الفئة المهاجمة في هذه الدنيا لا الفئة المدافعة. ولذلك هو الآن مبشر حار، ومؤمن متعصب بعدم الإيمان. وإن شئت، قل هو متعصب في كفره كما أن غيره متعصب في إيمانه. وقد يكون كلا المتعصبين سواء.

هو يقول عن نفسه أنه تقلب على مقالب التردد في الأديان من اليقين إلى الشك فالنفي ولكن هذا التردد لم تطل مدته عنده. بل طار به سريعاً إلى النتيجة الأخيرة وهي النفي ووقف عندها منكراً نافياً داعياً الجميع إلى مثل نفيه وإنكاره. وتكاد تجد في ما كتبه منذ ربع قرن ما لا يزال ينسج عليه اليوم. ولم يحاول قط أن يلبس يده الحديدية قفازاً من المخمل، ولم يعمد أبداً إلى الطرق اللينة. بل إنه يجرح بقلمه معتقدات العقل، كما يجرح بمشرطه دمامل الجسم، ولكن دون استعمال بنج أو مخدر. وهو يقر بذلك إذ يقول (ص ٢٤): رأيت أن أخوض غمار

<<  <  ج: ص:  >  >>