العواطف الغالبة حتى الساعة على أفعال سائر الناس , والمتمكنة فينا أكثر من سوانا على نوع خاصّ. حوادث وخواطر سردتها سرداً كما جاءَت غير متَّبعِ فيها نهجاً مخصوصاً. ولم أتعَّمل فيها غالباً لئلاّ يجمح بي جواد المبنى فيخرجني عن جادَّة المعنى. فهجرت الوحشيَّ الفحليَّ , ولم أقع في الحضريّ المترهّل , وتقرَّبتُ كثيراً من العامة , عسى أن تكون البلاغة في ما كان أدنى إلى تبليغ المراد. قلت الحضريّ المترهّل لأني أرى اليوم مَيلاً كبيراً للتباري في نهج من الإنشاء إن أجاد فيهِ البعض فقد قلَّ فيه المفلحون. وإن حلا في بعض المواقف فمن المُصاب ما يُغثي. يترقق فيهِ اللفظ حتى لا يكاد يغشى السمع. يطوف على الأزهار ويناجي نفوس الكواكب , ويستمطر دموع الملائكة , ويثير أشجان القلوب.
ولكن يحار الجنان في فهمهِ إذا تقَّصاه إلى لبّه. فلا هو نشيد الأناشيد , ولا هو مراثي أرميا , ولا هو مصابرة أيوب , حتى ولا هو تسبيح داود على قيثارتهِ. أو هو خليط منها يتلألأ ولكن كالبرق الخلَّب. ولا يبقى من جيّده في الذهن إلا أثر النسيم على صفحات الماء , ومن رديئةِ إلا أثر الكابوس في الحالم. وشأنهُ في الحالين شأن الماس الكاذب , فلا هو حليةٌ للتنافس , ولا هو الفحم النافع باعتبار أن الماس الحقيقي فحم متبلور. كأننا لم نهجر التقعر الجاف إلا لنقع في الرقيق المائع. وبينهما ضحايا الفكَر مقتولة على مذبح هيكل العواطف الثائرة أو الذابلة. ولكم عرض لي وأنا أسمع هذا الشعر الجديد المنثور , أن تذبل عيناي , وتتدلى يداي , ويتهادى ذراعاي , كأنهما جناحان هبَّا بي للتصفيق ولكنهما هبَّا متكسرين كأني بهما الطير الواقع. وما الناس بحاجة إلى هذا التنويم المخدّر بعد ذلك أني تنزَّلت إليهم , بل أريد أني تحديثُ الأسلوب الذي ينفتح للجميع على حد سواء , بدون أن يُضطرَّ فيهِ إلى تعمُّل يوجبه التأنق في الإنشاء , كثيراً ما يذهب بجهد الكاتب , وقد يستمهل