حافظ إبراهيم وخليل مطران يشتغلان الآن معاً بترجمة كتاب علم الاقتصاد للكاتب الفرنسوي ليروى - بوليو؛ فتراهما يروحان ويجيئان بين المكتبة والمطبعة , ويبحثان وينقّبان عن لفظةٍ عربية تؤدّي معنى الاصطلاحات الأفرنجية. وليس ذلك دائماً بالأمر السهل؛ وسأعود إلى زيارة التفصيل عن هذه المساًلة في جزءٍ آتٍ. ولم أذكر اليوم كتاب علم الاقتصاد إلاّ عَرَضاَ فقط , لأنهُ جمعني في ٦ أبريل الماضي بأحد نصفي المعرّب حافظ بك إبراهيم , فلمحتُ في يدهِ عصا عليها شارةٌ نُقِشَ فيها تاريخ إهدائها إليهِ , فإذا هو ٦أبريل ١٩٠٧. اتفاقٌ غريب! وأغربُ منهُ أن تلك العصا قد رافقت حافظاً ستة أعوامٍ كاملة , سلمت فيها من البيع والرهن والسرقة.
عجباً له فظ العنانَ بأنملٍ ... ما حفظُها الأشياَء من عاداتها
ولعلّي أدركتُ السرَّ في بقائها , فهو يهشُّ بها على غنمهِ ولهُ بها مآرب أُخرى: فبها يضربُ القوافي فتتفجّرُ لَهُ سحراً حلالاً , كما كان موسى يضربُ بعصاهُ الصخرَ فيتفجّرُ لهُ ماءً زلالاً. أو لعلَّ عصا حافظ لها منزلة من نفسهِ كمنزلة جزمة الدكتور شميّل , وقد أودعها كلّ ضروب الفلسفة. وحكاية هذه الجزمة أنني زرتُ يوماً الدكتور الحكيم برفقة رهطٍ من الأدباء , فوجدناه في غرفة عيادتهِ جالساً إلى مكتبهِ , وهو في ملابس البيت؛ فحادَثَنا وحادثناهُ مدةً؛ ثم اشتدَّ الجدالُ على مسألةٍ من المسائل , فقال الحكيم هازلاً دعوني أشدّ جزمتي , فأكون أقوى حجةً , وأكثر استعداداً للمناقشة قال , ونهض إلى مخدعهِ , وعاد على تمام الأهبة بعد أن شدَّ جزمتهُ , فقلت له: قد أدركتُ سرَّك يا حكيم , وعرفتُ مواطن الضعف فيك , فإنَّ منزلة هذه الجزمة