في البلاد ولا أن يعضد فريقاً بقول له أو رأي لأن أقل إشارة بهذا المعنى تعدّ تدخلاً في السياسية الداخلية لا يجوز. وهذا أيضاً قليل حدوثه. اعلمُ من قبيله حادثة واحدة قديمة جرت في لندن حين تدخل سفير النمسا في سياسة الأحزاب الداخلية تدخلاً لو تمَّ المراد منهُ لأدى إلى سقوط وزارة الانكليز. وقد كان صنيع هذا السفير يومئذٍ شاذاً إلى الغاية القصوى وموجباً للغضب حتى أن حكومة الانكليز أعرضت عن المجاملة وامتياز السفراء وقبضت على هذا السفير وأمرت بمحاكمته فحكم عليهِ القاضي بالحبس. ولما علمت النمسا ببيان ما فعل سفيرها في لندن تبرأت منهُ ورضيت بمحاكمتهِ ومعاقبته فلم ينشأ أشكال ولا حرب. واذكر حادثة أخرى قريبة العهد من هذا النوع هي أن رجلاً من الأميركيين أرسل إلى سفير انكلترا في واشنطون كتباً يسأله فيهِ رأيه عن أي الرجال أصلحهم لرئاسة الجمهورية الأميركية وكان الرئيس يومئذٍ المستر كليفلاند وهم يسعون في إعادة انتخابه فكتب السفير - واسمه اللورد ساكفيل - رداً إلى صاحبه الأميركي يقول أن كل أميركي يحب الخير لبلاده يجب أن يسعى في بقاء المستر كليفلاند رئيساً لجمهوريتها. ونشرت بعض الصحف الأميركية هذا الكتاب فهاج الجمهور ولاسيما الحزب المخالف لكليفلاند وعدوا تدخل السفير الانكليزي في أمورهم الداخلية إثماً لا يغتفر حتى أن المستر كليفلاند اضطر إلى طلب إقالته وأعاد إليهِ أوراق تعيينه فكان لتلك الحادثة صدى ودوي من نحو عشرين سنة وكادت تؤدي إلى وقوع الحرب بين الانكليز والاميركان