على أنَّ الدولةَ لا تجهلُ أشراطَ المُلْكِ على المالكِ وما هو مُبقٍ لهُ , وما هو ذاهبٌ بهِ حتى لقد أصبحت الدلالةُ على وجوهِ الإِصلاحِ المنشودِ من مبتذَلاتِ الكلامِ , وملوكاتِ الأفواه والأقلام. فهلْ للدولةِ أن تعملَ بما علَّمها الدهرُ على حين لم يبقَ لها من ناصرٍ إِلاّ ما تسعى إليهِ من ترميم هذا المُلكِ العزيز؟ وإِلاّ فقد قضى الله بما لا دافع له ولا مانعَ منهُ , وحسبُكم الإِشارة يا ألبَّاء هذه الدولة. فاعدلوا بين ضروبِ الرعيَّةِ لأنَّ دولتَكم مستمدَّةٌ من جملتها لا من أبعاضِها , وقدّموا الكفؤَ على غيره مهما كانت نبعتُهُ ومنبتُ أسلتهِ , واستعملوا الأجنبيَّ في تدبيرِهِ , واسلكوا القصدَ في عملكم من غير سرفٍ ولا تفريطِ , وخذوا بالجديد الصالحِ , واخلعوا القديمَ المبتذلَ ثم أعدّوا للمُلْكِ عدّتَهُ من رجالٍ ومال؛ والله الواقي في هذا الباقي.
وكتب إليَّ عالمٌ كبيرٌ لم يشأ أن يُنْشَر اسمهُ قال: إِن الأمر عويصٌ جدّاً لأن في السلطنة
فواعل كثيرة متناقضةً بعضها خفي , ولقد سمعتُ مرَّة المرحوم نوبار باشا رئيس الوزارة المصرية الأسبق يقول: إِن لو رد دربي ألقى عليهِ سؤالاً مثل سؤالك وطلب منه أن يرتاءي رأياً , أو يضعَ مشروعاً نافعاً للسلطنة العثمانية؛ قال نوبار: فأخذتُ القلم وكتبتُ أن يُنشأَ في السلطنة محكمةٌ مختلطةٌ مستقلَّةٌ تُرفعُ إليها الشكاوي من المأمورين فتحاكمهم وتنفّذَ الحكومة ما تحكم بهِ عليهم
فما أدقَّ هذا الانتقادَ , وما أرقَّ هذا التهكُّم!. . .