العامل على استعباده أمة حرة عاشت السنين الطوال تأبى الضيم. فراجعت الملك في
الأمر، وأقمت عليه الحجج الدامغة عن ضروب الساسة وعبر التاريخ، حتى إنجاز أغلب الوزراء إلى رأيي عندما طرحت المسألة على المجلس. ولكن الملوك لا يقف في سبيل أطماعهم حق ولا إنصاف، فتراهم يستعملون كلا لوسائط السافلة الدنيئة لبلوغ غاياتهم الجائرة. وينقمون على من يمحض لهم النصح لغير مأرب شخصي أو منفعة ذاتية. ولم يخالف هذا الملك تلك السنة الشنعاء بل أضمر لي الشر والوقيعة وشاركه في ذلك عدد من الوزراء لغير ذنب اقترفته سوى خدماتي الصادقة.
وبعد أن انقضت هذه الحوادث بثلاثة أسابيع حضر ستة سفراء من قبل حكومة الأعداء ليقرروا عقد الصلح وشروطه. فساعدتهم بكل ما استطعت من قوة الحجة حتى وفقوا إلى عقد معاهدة غير شائنة ولا جائرة. فخضروا إلى بيتي يوماً في زيارة رسمية ليشكروا حسن صنيعي وأكدوا لي أن ملكهم يمتلئ سروراً وفرحاً إذا زرت بلاده. فوعدتهم أنني سأنتهز أول فرصة للتشرف بالمثول بين يدي مليكهم. على أن ملكنا بات من ذاك الحين يرمقني بعين ملؤها الإغضاء والجفاء، ولم أعرف لهذه المعاملة سبباً إلا أخيراً حيث تبين لي أن بعض الوزراء وشى بي ونقل حديثي مع سفراء الأعداد. فكان أن حنق علي الملك. وصمم على تعذيبي إن لم يقدر على الفتك بي. فشعرت لأول مرة بمبلغ الوشايات والمكايد التي تنجم عن الاحتكاك ببلاط الملوك.