عنكِ فلا تنفري منهُ ولا تقابليهِ بغير التسامح واللين. لا تثقل عليكِ شكواهُ وكثرةُ مشتهياتهِ , فإن الممرّضة المخلصةَ تجدُ دائماً وسائلَ لتعزية المريض وتلطيف همومه. نفسُها الفاضلة توحي لها , وقلبُها الشفوق يملي عليها. هي مرآة مريضها. يرى في وجهها صورة ما يحسُّ بهِ في نفسهِ , ويُبَصر في عينيها سيماءَ ما في فؤاده. تشكو لشكواه وترضي لرضاه. فإِن حدَّثها عن نفسهِ أصغتْ إليه واعيةً أمرَهُ متهمَّةً لشؤونهِ؛ الهدوء في حركاتها , والرَّزانة في سكناتها. وأمَّا الإِخلاص والحنان فملءُ عملها الشريف.
هذه هي الممرضة وتلك هي صفاتها الجميلة ومزاياها الغرَّاء!
ومن جملة واجبات الممرّضة أن توصدَ باب مريضها دون عائديهِ , ولاسيَّما متى كان داؤهُ
عُضالاً , وحالهُ خطرة. فيُستقبل العائدون في حجرة أُخرى. وحينئذٍ فإن السكينةَ لابدَّ منها لأن المريض لا يقوى على تحمُّلِ الجلبة. وإِذا أَعضل الداءُ وأَشفى المريض فمن المحتَّم على أهلهِ وممرّضيهِ أن يتحاشوا قدَّامهُ كلَّ علامات القلق والخوف فلا يقرأ على وجوههم نبأ انقطاع الرَّجاء , ويرى في عيونهم نذيرَ الشرّ ودُنوّ الأجل. لأن المريض , في تلك الحال , كثيرُ الشكوك , كثيرُ المخاوف؛ يحاول أن يسترقَ نظرة يفهم منها حقيقة أمرِه , أو يختلسُ إِشارة يعلمُ بها ما يخفي عليهِ من حالهِ الصائر إليها.