للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُصورٌ كأنَّ بُروجَ السماءِ ... خدورُ الغواني بأَدوارِها

ذكرنا حِماها , وبين الضُّلوعِ ... قلوبٌ تَلَظَّى على نارِها

فمرَّت بأرواحِنا هِزَّةٌ ... هيَ الكهرباءُ بتيَّارِها

وأرضٍ كَسَتها كِرامُ الشُّهورِ ... حَرائرَ من نَسْج آذارِها

إذا نقَّطتها أَكفُّ الغَمامِ ... أَرتكَ الدراري بأزهارِها

وإِنْ طالَعتها ذُكاءُ الصَّباحِ ... أَرتكَ اللُّجين بأنهارِها

وإِنْ دَبَّ فيها نَسيمُ الأصيلِ ... أتاكَ النَّسيمُ بأخبارها

وَخِلٍّ أقامَ بأرضِ الشامِ ... فباتت تُدلُّ على جارِها

وأضحت تَتيهُ بربِّ القريضِ ... كتِيهِ البوادي بأشعارِها

ولَلِنِّيلُ أولى بذاكَ الدَّلالِ ... ومصرُ أَحقُّ ببشَّارِها

فشَمِّرْ وعَجِّلْ إليها المآبَ ... وخَلِّ الشامَ لأقدارِها

فكيفَ لَعَمري أطقتَ المقامَ ... بأرضٍ تَضيقُ بأحرارِها

وأنتَ المشمِّرُ إِثرَ المظا ... لمِ تَسعى إلى مَحوِ آثارِها

ثأَرتَ الليالي وأَقعدْتَها ... بمصقولِ عَزمِك عن ثارِها

إذا ثُرتَ ماجت هضابُ الشامِ ... وباتتْ تَرامي بثُوَّارِها

ألستَ فَتاها ومُختارَها ... وشِبلَ فتاها ومختارِها؟

إذا قُلتَ أصغتْ مُلوكُ الكلامِ ... ومالت إِليكَ بأبصارِها

أداودُ , حَسبُكَ أَنَّ المعاليَ ... تحسَبُ دارَكَ في دارِها

وأَنَّ ضمائرَ هذا الوجودِ ... تَبوحُ إليكَ بأسرارِها

وأَنَّك إِمَّا حَلَتَ الشامِ ... رأيناكَ جذوَةَ أفكارِها

وإِن كنتَ في مصرَ نعمَ النصيرُ ... إذا ما أهابت بأنصارِها

فأجابهَ داود بك عمُّون:

أمِنْ ذكرِ سَلمى وتذكارِها ... نَثرتَ الدُّموعَ على دارِها

وعفتَ القصورَ لأجلِ الطلولِ ... تطالعُ طامِسَ آثارِها

وقفتُ بها ليلتي ناشِداً ... عساها تَبوحُ بأسرارِها

ولَلدارُ أنطقُ آياتِها ... منَ الراوياتِ وأخبارِها

تُعيدُ عليكَ ليالي الحِمى ... بأَنجمِها وبأَقمارِها

سلامٌ عليكَ زمانَ الشبَّابِ ... ربيعَ الحياةِ بآذارِها

لأنتَ مُخفِّفُ أحزانِها ... وأنتَ مُسوّغُ أَكدارِها

ولولا الشَّبابُ وذِكرى الشَّبابِ ... لعاشَ الفتى عُمرَهُ كارِها

قطفنا الحياةَ بهِ حلوةً ... وقد جاَء إِبَّانُ إِمرارِها

أُطوِّفْ في الشرقِ عَلّي أَرى ... بِلاداً تَطيبُ لأَحرارِها

فلم أرَ إِلاَّ أُموراً تَسوءُ ... وتَصدَعُ أكبادَ نُظَّارِها

فظلمٌ بتلكَ , وذُلٌّ بهذي , ... وجَهلٌ مُغَشٍّ لأبصارِها

تعقُّ مَراحِمَ رُعيانها ... وتَرعى اولاَء لجزَّارِها

إذا شاَء قاسمُ رفعَ الحجابِ ... تُسمّيهِ هاتِكَ أستارِها

فلا قَولَ إِلاَّ لجُهَّالِها ... ولا رأيَ إِلاَّ لأَغرارِها

يَدبُّ التراخي على تربْها ... ويجري الخُمولُ بأنهارِها

منالُ الترقّي بإِرغامها ... ومَرجى الفَلاحِ بإِجبارِها

أهذا الذي أورثتْ أهلَها ... بلادُ العلومِ وأنوارِها؟

عَدِمتُ حياتي إذا لم أَقِفْ ... حياتي على نَفعِ أٌقطارِها

أحافظُ هذا مجالُ العُلى ... فَشمّْرْ لسبقٍ بمضمارِها

أِشوقي , أحافظُ طالَ السكوتُ ... وتَرْكُ الأمورِ لأقدارِها

فَصُوغا القوافيَ مصقولةً ... وشِقّا الجلودَ ببتَّارِها

عساها تُحرِّكُ أوطانَنا ... وتَنشرُ مَيِّتَ أفكارِها

<<  <  ج: ص:  >  >>