وكانوا يحتفلون قديماً بعيد النيل احتفالاً عظيماً، فإذا جاء الانقلاب الصيفي وأتى الماء المقدس من أجباب أسوان إلى جبل السلسلة قامت القسوس المقيمة في هذا الجبل أو الملك الحاكم أو ابنه فيتقرب بثور أو بإوز، ثم يلقي في الماء قرطاساً مختوماً من البردى يشتمل على أمر فيه إطلاق الحرية له بالزيادة، لكي يضمن لمصر الخير بفيضان معتدل وكانوا يعتنون بهذا العيد رعاية للرواية القديمة القائلة إن سعادة السنة أو شقاءها موقوف على ذلك
المهرجان، فإن حصل منهم في شأنه إهمال أو توانٍ، رفض النيل الأمر الصادر إليه، وأغرق الأراضي والجهات. وفي هذا الموسم كان الفلاحون يأتون بالزاد ويأكلون معاً أياماً متوالية ويشربون حتى يثملوا. ويستمرون على ذلك حتى يأتي يوم الموسم الكبير، فتخرج حينئذ القسوس من المحراب وبينهم تمثال فيزفونه على الشاطئ بالألحان والأصوات المطربة والترتيل والمدائح وصدح الآلات الموسيقية فيقولون ما ملخصه:
السلام عليك أيها النيل، يا من ظهرت على هذه الأرض وأتيت لإحياء مصر، أنت الذي يختفي مجيئك في الغياهب إلى يوم الترتيل بقدومك أنت البحر المفيض بمياهك على البساتين التي أوجدتها الشمس لنا لتحيي جميع ما يكون في شرق. أنت صانع القمح وموجد الشعير ومطيل أجل المعابد. إن تعطلت أصابعك أو اعتراك كساد، أصبحت الألوف من الناس في فاقة. وإن نقصت وقت نزولك من السماء، أفنيت المعبودات والخلق، وتكدرت الحيوانات وصارت الأرض كباراً وصغاراً في عذاب. وإذا كانت الحال على عكس ذلك واستجيب دعاء الناس تصيح الأرض ابتهاجاً، وينشرح كل ذي بطن، ويهتز كل ظهر من الضحك. . . يا مجلب