وهنالك الحصى البيضاء منتثرة فوق الرمال كأنها اللآلئ على بساط من حرير. وعلى الشاطئ صياد مشمر الساقين وقد غاصت قدماه في زبد الأمواج، وألقى الشص في الماء ووقف ينتظر النصيب. فأسرعت الأمواج إلينا كأنها تريد السلام فكانت تحني الرؤوس وتعود إلى اللجج. وهنالك قوارب نشرت الشراع فهب فيها نسيم التوفيق، فمخرت تشق المياه تاركة من ورائها خطوطاً طويلة لا تلبث أن تغمرها المياه.
ثم صفرت باخرة ومرت ترشق الفضاء بدخان يحموم، وعلى ظهرها المسافرون يلوحون بمناديلهم وداعاً لمن يشيعونهم بالعيون والقلوب. فقلت لنفسي: أتشائين السفر إلى الأصقاع البعيدة فنسيح ونتنزه في جنات الأندلس ونرى ما ترك العرب فيها من آثار العظمة ثم ننتقل إلى فرنسا ربة البدائع. ثم نيمم إيطاليا فنفكه السمع بالأنغام الموسيقية وذلك مما يطيب لك جداً ونشخص إلى رومة مقام السيادة المسيحية ونزور الدياميس حيث رفات
الشهداء، ومن هنالك نتوجه إلى ألمانيا فنتوغل في غاباتها. ونرتحل إلى روسيا لنرى قبابها العالية ونرسل النظر في هاتيك السهول الواسعة. ثم نرجع إلى بحر الروم فنصعد من يافا إلى الأرض المقدسة فنزور المغارة التي بزغ منها نور الخلاص وجرى ماء الحيوة، وبستان الزيتون والجلجلة التي تتبرك الشفاه بلثم ترابها. ثم نجتاز مضيق السويس إلى البحر الذي عبره بنو إسرائيل بالأقدام، ومن هناك يمتد نظرنا إلى بادية العرب أرض الشعراء، وإلى أفريقيا فنجتازها من أهرام الفراعنة، إلى أرض الترنسفال التي حشا الله جوفها بالألماس ونمر بشواطئ الهند