وكم من حيوان نظل لا نعرف له شأناً حتى يقوم كاتب كرسكن يصفه لنا. . . وهاك وصفه للحية:
ذلك الجدول الفضي الأملس - أفكرت في جريه وسعيه؟ الحية لا تمشي بل تسعى وتجري. وكأنها الزورق في البحر، إلا أن التراب ماؤها وقشرها مجذافها ورأسها دفتها. بل هي النهر تنساب في السهل انسياباً. تتموج ولا ريح تتلاعب بأمواجها. تجري ولا شلال يقطع مجراها. كل جسمها يتحرك معاً - إلا أن بعضه ذات اليمين وبعضه ذات اليسار وقسم منه إلى الأمام والآخر إلى الوراء، تمر بك ولا تسمعك صوتاً، وتفوتك وتترك لك أثراً فحواه:
إن آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار.
فاجئها بصرخة وإذا بالجدول المنساب قد استحال سهماً مسدداً وموجة السم استقامت رمحاً مقوماً يخترق الأعشاب وينفذ منها ولا طعنة الفارس من صدر العدو. لها رئة ولا تكاد تتنشق الهواء أو تتنفس الصعداء. سواء عندها الشمس والظل فهي باردة حارة، جامدة إلا أنها تتسلق ولا القرد، وتسبح ولا السمكة، وتثب ولا الغزال، وتصارع وأين منها ابن حواء وتسحق وأين منها النمر. هي قوة شيطانية مجسمة على الأرض. وكما أن العصفور هو قوة الهواء مكسية ريشاً فكذلك الحية إنها قوة التراب لابسة مسوحاً وجلداً. وكما أن العصفور هو رمز للروح والحياة، فالحية رمز لقضي الموت على الحياة وقبضته على الروح.