والمصدر التقليدي هو ما تكتسبه هذه الفئة من المعاشرات الرديئة التي تجمع أفراداً لا آداب لهم ولا أخلاق غير الافتخار بمباراة أمثالهم في الرذائل وعمل ما تقشعر منه الأبدان. وهذه الفئة مؤلفة من الرعاع والأوباش وبينهم أولاد المثريين الذين ورثوا عن آبائهم مالاً طائلاً. أضاعوه - لنقص في تربيتهم وآدابهم - في أماكن اللهو والطرب. على أنه كثيراً
ما يكون المقلد لرفيقه أو المقتبس عن عشيره من عائلة شريفة المبدأ ومن أبوين شريفين يربيان أولادهما على الفضيلة والآداب القويمة التي لا تزعزعها يد الدهر.
وإذا أحصيت الآفات القتالة في المعترك الحيوي كان أولها لعب الميسر الذي يهدم أركان الفضيلة. ويجلب العار والمذلة ويبدل الأفراح أتراحاً ويمزج كأس الحياة بمرارة حنظلية فينغص عيش مرتاده ويستفرغ قواه المادية والأدبية. حينذاك يثوب إلى رشده ويندم على ما فرط منه حيث لا ينفع الندم هذا أن لم تدفعه شدة الضيق وأنفة النفس إلى الانتحار تخلصاً من هذا الشقاء المقيم.
ولعمري إذا كان المقامر حديثاً في مزاولة هذه المهنة وقضت عليه بد الزمان ونكبة الدهر بخسارة عاجلة وظهر طالعه المنحوس وهو يرى مواله تتسرب من جيبه إلي جيب سواه لا يكاد ينتهي من لعبه إلا وتتوالى عليه جيوش الذهول والأوهام فيضيع لبه ويفقد رشده ولا تمضي بضع دقائق إلا وهو مساق إلى حيث لا يدري وهو تارة يضحك وطوراً يبكي. وكثيراً ما تقوده هذه الحالة إلى السرايا الصفراء مأواه