قد شق على الكثيرين أن يروا حافظاً منصرفاً عن خدمة دولة الشعر إلى دولة الإدارة فإنهم يتعزون متى عرفوا أنه ضمن حياته عن غير طريق القصبة المشقوفة. وقد خاطبه أحمد نسيم بهذه الأبيات:
أديبَ الأمتين لك البقاءُ ... سعدت فلا عناء ولا شقاء
نقضت عنك أيامٌ طوال ... من البأساءِ وارتفع البلاءُ
أتيتُ إليك في بردَى أديبٍ ... كريم لا يدنسه الرياءُ
يصوغ لك التهاني في قوافٍ ... لها بك في متانتها اقتداءُ
كعهدك لا تكن إلا وفياً ... سجيّته المروءةُ والوفاءُ
أتحجبك المناصب عن نسيم ... وتُبعدك المراتبُ والعلاءُ
وألا كيف كنتَ فأنت خدنٌ ... خليقته المودةُ والإخاءُ
أتذكر يومَ تذكر بؤس عيش ... وأنت إزاَءه وأنا سواءُ
ويوم نذمُّ دنيانا ونشكو ... أناساً خاب عندهمُ الرجاءُ. . .
تقول إذا استطعت وهبت نفسي ... فما عندي سوى نفسي سخاءُ
فأما الآن ليس لديك عذرٌ ... ولا لك عن مواساتي إباءُ
إذا أنشدتُ بين يديك شعري ... وتمداحي فقد وجب العطاءُ
وفي عشرين ديناراً لمثلي ... إذا مُنحت قنوعٌ واكتفاءُ
بحق البؤسِ إن لم تعطينها ... فما لك بعدها إلا الهجاءُ
وإلا فالسلامُ عليك مني ... إذا قالوا على الشعر العفاءُ
فليحذر حافظ اليوم هجاء زملائهِ المعجبين بهِ بالأمس، وليكن لحالهم ذاكراً، ولعهدهم حافظاً.
حاصد