ولا جناح إذا مزق طرس ينوء بوقر حديث الابتهاج. فانطرح لوتيك بين ذراعي والديه ودموعهُ تهمي. أما إيفون فإنها ضمن يديها إلى صدرها ورفعت عينيها إلى السماء شاكرة لرحمان. غير أنه لم يكن لها من يقاسمها أفراحها فالموت القاسي كان قد مزق بمخالبه المفترسة حياة والديها وزج بهما في أعماق القبور.
بزغت غزالة النهار مائسة تبدد عن الأفق غيوم الظلماء كما كانت شمس الحب تمزق بأضوائها المتلألئة حنادس الحزن والأسى عن قلب لوتيك وعشيقته إيفون. قرع الناقوس واحتشد القوم في الساحة العمومية ينتظرون بذاهب الصبر قدوم العروسين ليسرحوا الأنظار في حسن محيا إيفون الفتاة. وما كنت ترى إلا عيوناً شاخصة ولا تسمع إلا أفواهاً تقول ما أجمل وأبهى سنا طلعتها. فرفع الكاهن يديه وقال: ليبارككما رب السماء وليسكب عليكما غيث رضوانه ما أحسن مثلكما فعلى الأغنياء أن يمدوا يد المصافحة إلى البؤساء لنهم كلهم أبناء أسرة واحد، اذهبا وعيشا بسلام آمنين.
بالقرب من تلك القرية جزيرة صغيرة تتحطم على صخورها أمواج البحر المتلاطمة وتأوي الطيور إليها فتؤنس وحشتها بشجي ألحانها حتى أن القادم إليها يكاد يحسب نفسه قد هبط في جنة عدن أو صعد إلى عالم الأبرار وكان يسكنها ناسك قوَّست الأيام ظهره وأضعفت السنون بصره وكان على كل من يتزوج من سكان هذه القرية أن يقدم له شيئاً من العسل واللبن. فركب العروسان القارب ترافقهما أصوات الغناء وعزف آلات الطرب حتى إذا قاما بالعادة المرعية وقدما للناسك الهدايا المعدة ركبا البحر فشاهدا من أهواله ما لا يعبر عنه إذ سمعا للجبال صفيراً وللرياح دوياً عظيماً وزفيراً والأمواج تطرب لسماع أصوات الرياح فكانت طوراً تبتعد وتضطرب وتارة تلتطم وتصطفق فلما أيقنا أنهما لا يجدان إلا فضل الله واقياً ومجيراً قالت إيفون: رب نجنا من وهدة العطب ولك منا أن نزور مذبح هامة رسلك. فاستجاب الله الدعاء. فهدأ البحر وسكن وحصل بعد الشدة الفرج وشما من السلامة أطيب الأرج.