للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دوحة وزينهُ بالأزهار وسقاه بالدموع ثم مضى ولم يدع الحزن في قلبه ولم يذر. قضى النذر وعاد ووقف على قبر الحبيبة وقال:

أفدي بروحي ذلك الوجه الذي ... جمع الجمال وحسن ذاك المبسم

زيحي لثامك يا ابنة الصبح التي ... قد أصبحت شرفاً لكل الأنجم

فمتى ترى عيناي ما قتلت به ... روحي عسى تحيي بمنظره السمي

فلو انجلت كل الغواني لي ولم ... أكُ ناظراً لسناك لم أتنعم

فضعي يديك على ضنا صدري عسى ... تدرين ما فعل الحمام بأعظمي

عبثت أيادي الدهر بي فأذبنني ... وأعادت العبرات مثل العندم

ها أنا ذا يا حبيبتي رجعت، ها أنا ذا قد أعتقت من أسر ذلك النذر المشؤوم، لقد ذهبت

حتى ينابيع التيبر وصليت على أعظم الشهداء والقديسين فلا شيء الآن يوقف حياتي في هذا العالم إنها تطير مشتاقة إليك. يا رب أنت أعطيتني حياتي فلا تبخل علي الآن بمماتي. وأنتم يا حراس القبور والأموات أستحلفكم باسم الله وابنه أن تضمانا كلينا في قبر واحد وأن تكتبا عليه هذين البيتين:

كنا على ظهرها والعيش في مهل ... والعيش يجمعنا والدار والوطنُ

ففرق الدهر بالتشتيت الفتنا ... فاليوم يجمعنا في بطنها الكفنُ.

قال هذا ووقع على القبر جثة هامدة. أنشدي أيتها الطيور احزن الألحان وخذ، مثلاً مما ترى أيها الإنسان. لما فتحوا قبر إيفون ليضموا لوتيك إليها توردت وجنتاها المصفرتان وأفتر ثغرها وتنحت ليلاً ووسعت لحبيبها مكاناً.

فدهش الناس مما رأوا ونصبوا لهما قبراً منيفاً يركع بجنبه للصلاة من يريد أن يفتح قلبهُ للحب الزواجي الطاهر.

(عن فيكتور هوغو)

- حلب، لويس أسود

<<  <  ج: ص:  >  >>