ألا قولي ما الذي يدعوك إلى البرية، إذا ما الشمس هتكت حجب السحب، وبددت جيوش الظلام، وتمايلت الحقول طرباً لهبوب نسيم الصباح البارد. ألا أمكثي في بيتك واسمعي ما يوحي به إليك عفريت دارك، وعي في صدرك ما يبث في نفسك من الحب والهيام. وإذا ما الكرى أسبل عليك ستاره، وبت سكرى من نشوة خمره الفتان. أنفث في صدرك ذكرى الأحباب ومن طوتهم الأيام وأدرجتهم القبور تحت أحجارها، وأكلل مهادك الجميل الوثير بأجمل الأزهار لوناً وأعبقها أرجاً. فأجعل أيامك كبعض أيام أيار، وليلك كبعض الليالي المقمرة.
وإن طمت بك السأمة مرة إلى استماع تغريد الأطيار تحت ظل الأشجار أو صفير البلبل المعجب عندما تمي ملكة النهار مائسة نحو ظلمات المغرب، أعير الأطيار شجي نغماتي، وأضع في فم البلبل أطرب آلاتي، وأنفخ في هبوب النسيم البليل بعض شذا الجنة فيحيي أنفاسك المنهوكة تحت وقر العمل. وإذا ما الغراب الأسحم نعق قرب دارك، طرته بعيداً وأقصيته عنك كيلا يوشوش عليك ذهنك أو ينغص عليك عيشك.
عندما تستسلمين بنفسك إلى زورق الصايد المتمايل فرقاً فوق تجعد الأمواج واضطراب المياه، فإني أنا أدفع بذلك الزورق الغارق إلى بر السلامة وآمر الأرواح فتهدأ وريح الجنوب فتهب باردة وتنفح وجهك الأحمر، وآمر الأسماك الصغير أن نبهج ناظريك بألوان ظهرها الذهبية