للطفر والقفز من أعالي الصخور إلى أسافلها، تاركةً ماءها على رحمة الهواء يقذف به ذات اليمين وذات اليسار، وينثره بلوراً صافياً تكسبه أنوار الشمس لون النضار. وإذا انتهت إلى المروج الخضراء ضللت ذاتها، ورخمت نغماتها، بين أعشابها ونباتها، وظلت في ظلالها، خيالات لها، إلى أن تنفذ منها مترقرقة متدفقة، كأنها تذكر غايتها إذ تبصر بواديها، فتهب مسرعة إليها.
وطلوع الشمس في بعض البلدان أجمل منه في غيرها، وأجمل ما يكون في الأماكن القريبة من خط الاستواء. وقد وصفه أحد الكتاب كما يلي:
تأتي الساعة الخامسة من الصباح ولا يزال الظلام مخيماً بسدوله. وعندئذ تفيق بعض العصافير وتبدأ تحرك سكون الليل بتغاريدها وأناشيدها كأنها تبشر بقدوم مليكة النهار قبلما يبدو موكبها الوهاج في أفق الشروق. وما هو إلا القليل حتى تتكاثر الأصوات من كل فج وصوب، وأغلبها من حناجر الأطيار المبكرة، فتأخذ حجب الظلام بالارتفاع شيئاً فشيئاً. ولا يأزف النصف الثاني من الساعة الخامسة حتى يلوح الفجر، وتذر شوارقه، ويتدفق النور فيضاً إلى أن يفعم الأرض والفضاء. وهنالك تبرز الشمس بحلتها الذهبية، وترسل بأشعتها العسجدية إلى مواطن الحياة من الطبيعة تبشرها بعودة الحياة، فتزقزق العصافير، وتتثنى الأزهار، وتخرج النحلة من قفيرها، وتبتهج الفراشة في مطيرها، فتلك ساعة تنتظرها
البراعم وأكمام الأزهار وأوراق الأشجار لتكسب فيها زهواً ونشاطاً ورونقاً وجمالاً. ثم أن تلك النسمات العليلة البليلة، تستمد من النور ما تبل به وتنقه من علتها فتمر بك بما يبرئك أنت لو كنت عليلاً. مناظر تخلب الألباب وتفتن الأبصار، يرسمها للصور، ويصفها الشاعر، آيات من الجمال بينات.
(من كتاب مسرات الحياة الذي عربه الأديب وديع أفندي البستاني وباشرت طبعه مطبعة المعارف).