جعل أفاضل القطر المصري منذ سنوات عديدة أمر التعليم الإجباري حديث النفس في خلواتهم وموضوع البحث في مجالسهم علماً منهم بأن الترقي الصحيح لا يكون إلا إذا نال كل فرد من أفراد الأمة حظه من العلم فالحمد لله الذي أوحى إليهم بهذه النهضة العلمية المبشرة بانبلاج فجر النجاح والوئام.
مصر بحاجة شديدة إلى ما يربط أبناء العناصر والأديان المختلفة فيها برباط متين، ويشغل همم أفرادها وأفكارها عما لا طائل تحته بما يفيدها ويرفه شأنها. فما هو هذا الشاغل وما هو ذلك الرباط المتين؟
هو العلم الذي يقيد أفراد الأمة بقيود الإخاء الأدبي ووحدة الطلب، ويحبب إليهم العدل ورعاية القوانين فيكفون عن المنازعات التي لا تجدي نفعاً، ويصبحون أهلاً للتمتع بالجلاء الذي طالما تاقوا إليه. وهو أيضاً الشاغل الذي يحبب إلى ذويه المال والتقدم فيطرحون عنهم الكسل ويسعون بجد مستزيدين من الثروة ما استطاعوا، آخذين عن الأمم الراقية كل ما من شأنه تحسين صنائعهم وزراعتهم فتزداد الأمة بأسرها بسطةً في عيشها ومنعة في كيانها.
ومن اول نتائج تعميم التعليم أنه ينقص الجنايات نقصاً عظيماً على حد قول جول سيمون لا تفرغ السجون إلا إذا امتلأت المدارس ولا تمتلئ المدارس إلا إذا صار التعليم إجبارياً. والإحصاءات تؤيد ما نقول وتدل على أن متوسط عدد المجرمين ينقص بنسبة زيادة عدد المتعلمين. ففي إنكلترا مثلاً بلغ عدد تلاميذ المدارس الابتدائية ٥. ٠٠٠. ٠٠٠