أختلس هذه الفرصة من وقتي لأحرر لكم ما يجول بالخاطر مما شاهدته النواظر فعسى أن يكون به تفكهة لقراء الزهور وأني أعدكم بتفصيلات أهم وأخبار أتم، عند إنهاء سياحتي في هذه البلاد.
إسبانيا بلاد جميلة تشبه كثيراً جبال لبنان بحسن مناظرها وعذوبة مائها وأخلاق رجالها وخلق وعادات نسائها. ولكنها أكثر منه عمراناً، وجبالها أقل منه وهاداً، وبعضها قاحل وأغلبها تكسوه الخضرة الجميلة والأشجار الباسقة وأكثرها من صنف الحور والسنديان والزيتون والصنوبر. وقد يستخرجون من هذا الشجر الأخير المادة الصمغية الموجودة فيه، ويبيعونها بأسعار غالية. أما في بلادنا فلا يستفيد الأهالي شيئاً تقريباً من شجر الصنوبر مع كثرة وجوده.
برشلونة: مدينة جميلة جداً وفيها كثير من البنايات البديعة، وشوارعها في غاية الإتقان والانتظام، ومركزها الطبيعي أشبه شيء بمركز مدينة بيروت، تبتدي بناياتها من المرفأ وتنتهي بعلو متتابع إلى جبل عال يحيط بها عن قرب. وفي أعلى ذلك الجبل أقامت شركة إنكليزية بنايات بغاية الإتقان وفنادق وقهوات وتياترات وكنائس ومحلات ألعاب مختلفة وقد سموا تلك القمة إشارة إلى ذلك الجبل العالي الذي صعد إليه الشيطان وقال للسيد المسيح: انظر إلى هذه الممالك التي تحت سلطتي. . . إلخ حينما أراد استغواءه كما جاء في الإنجيل. وفي الحقيقة إن المنظر من ذلك العلو الشاهق من أبدع ما يمكن أن تتصوره الأفكار ومنه تشاهد شوارع البلدة في غاية التنسيق والإبداع تكتنفها الأشجار