طرحت النفس في الجسد لتحل به زمناً قصيراً. . . تعلم أن العيس في الدنيا هو مسلك يؤدي إلى سفر أبدي وأنها لا تملك من الوقت للتأهب له غير زمن وجيز مدة عيشها في هذا الوجود. وحاجاتها الطبيعية تسلبها النصيب الأوفر من هذا الوقت، فلا يبقى لديها سوى النزر القليل تصرفه طوع إرادتها. ولكن هذه البقية اليسيرة تزعجها وتهمها حتى أنها لا تفكر إلا في إضاعتها. لأن إكراه النفس على مؤانسة نفسها وسوامها الفكر في ماهيتها كربة هي لا تطيق الصبر عليها. ولذا كان همها الأول ان تتغافل عنها فتدع هذا الوقت القصير الثمين يمر بلا ترو لاهية بما يشغلها عن الفكر فيها.
ضعة الإنسان رائد كل ملاهيه ذات الجلبة والضوضاء وكل ما يدعونه لهواً ولعباً فإنه في حقيقة أمره لا يريد به إلا أن يقطع الوقت دون أن يشعر به أو بالحري دون أن يشعر بنفسه فيقيها بإضاعته ذلك الشطر من حياتها الغم والكره لذاتها اللذين هما لا محالة عاقبة التأمل فيها. لا ترى النفس منها شيئاً يسرها، لا ترى إلا ما يحزنها كلما أمعنت النظر في ذاتها فهذا الذي يلجئها إلى المعاشرة ويكلفها بشغلها في الأمور الخارجية أن تبحث عما يفقدها ذكرى حالتها الحقيقية. فإن سرورها كله متوقف على