وإذا نحن نسير بين منظرين ما تفتحت الأعين على أحسن منهما. شطي آسيا وأوروبا. يتناغيان بالمصابيح. عاشقان عليهما الأقدار بالتلاقي. مرننا بهما أم مرّا بنا. لا أعلم. صحائف أجاد الحسن فيها منمقة. نشرت فانطوت. زلت عنها الأبصار وضاقت عنها الفهوم. فرائيها متخيل وعارفها متوهم. ما شك ناظر إلى السماء وإليها أن تلك كواكب سقطت عليها. عهدي بها في حاليتها. بينا هي عرين إذا بها كناس. يخالط فيها كل زئير ليث عندليب. تتجاور بها مسارح آرام ومصارع كرام. تسقى من ماء معين ومن دم مهراق. تطالعها وجوه ضاحكة وأخرى مجهشة. تقسمتها مواسم الصبا فهي تارة مشتى وآونة مصيف وحيناً مربع. جنة يحرسها حارس جهنم. فتنتني يوم لقائها وتوشك أن تفضحني يوم فراقها. فروق يا ظلوم. خذي روحي فما هبطت علي إلا فيك واسترجعي من أنحاء الفضاء متفرقات أنفاسي. أنت أولى بحسراتي منه. استبقي لي خاطراً أحييك به وشعراً أنوح به عند فراقك يا نعيمي الماضي وشقائي الحاضر. ألا يضطرب ماء هذا
الخليج مجاراة لجوانحي. وددت لو أن ارتطم عبابه وترامت أمواجه وأغرقتنا قبل أن نجتاز ربوعك. كان بك مهدي. وأريد أن يكون بك لحدي. هنيئاً يومئذ لحوتك ونونك ما أبقت الأيام من لحم على وضم. ولتتصرف رياحك بأخريات أنفاسي ولترن في أرجائك نوحاتي. الوداع الوداع يا فروق. وسلام الله عليك وعلى بنيك كلهم. هذا طريد جديد. مظلوم يلحق بمظلومين. يخرجونني منك ليلاً لأراك في ثوب حدادك.