قُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنِ الْإِمَامِ، مِنْ جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ، تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَشْتَرِي بِهَا لَحْمًا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ
[أَنْ يَشْتَرِيَ] بِهَا شِقْصًا، لِقِلَّتِهَا، فَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ. وَرَتَّبَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» هَذِهِ الصُّوَرَ تَرْتِيبًا حَسَنًا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْمُتْلَفُ ثَنِيَّةَ ضَأْنٍ مَثَلًا، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ مِثْلَهَا، وَأَمْكَنَ شِرَاءُ جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَثَنِيِّةِ مَعْزٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ رِعَايَةً لِلنَّوْعِ، وَإِنْ أَمْكَنَ ثَنِيَّةُ مَعْزِ وَدُونَ جَذَعَةِ ضَأْنٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ لِلضَّحِيَّةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ دُونَ الْجَذَعَةِ، وَشِرَاءِ سَهْمٍ فِي ضَحِيَّةٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَا تَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الْأَوَّلِ إِرَاقَةُ دَمٍ كَامِلٍ. وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ لَحْمٍ، وَشِرَاءُ سَهْمٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي إِرَاقَةِ دَمٍ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا شِرَاءُ اللَّحْمِ وَتَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْأُضْحِيَّةِ.
السَّادِسَةُ: إِذَا أَتْلَفَهَا الْمُضَحِّي فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَأَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَتَحْصِيلُ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَتَلَفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَكْثَرَ، وَأَمْكَنَ شِرَاءُ مِثْلِ الْأُولَى بِبَعْضِهَا، اشْتَرَى بِهَا كَرِيمَةً أَوْ شَاتَيْنِ فَصَاعِدًا. فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ كَرِيمَةٌ، وَفَضَلَ مَا لَا يَفِي بِأُخْرَى، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ وَلَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِشَاةٍ. وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ لَهُ صَرْفَ مَا فَضَلَ عَنْ شَاةٍ إِلَى غَيْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْمِثْلِ كَابْتِدَاءِ تَضْحِيَةٍ. وَوَجْهٌ: أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فَضَلَ.
السَّابِعَةُ: إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِ الْهَدْيِ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْمَنْسَكَ، أَوْ مِنْ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَمْ يَذْبَحْ حَتَّى هَلَكَ، فَهُوَ كَالْإِتْلَافِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِهِ.
الثَّامِنَةُ: اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ شَاةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute