وَيَمْلِكُهَا، وَيَبْقَى الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَنَا فِي صُورَةِ الْإِتْلَافِ: يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْأَوَّلِ، يُرِيدُ بِهِ: أَنْ يَشْتَرِيَ بِقَدْرِهَا، فَإِنَّ نَفْسَ الْمَأْخُوذِ مِلْكُهُ، فَلَهُ إِمْسَاكُهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ: فِي عَيْبِهَا. وَفِيهِ مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَحَدَثَ بِهَا قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ عَيْبٌ يُمْنَعُ ابْتِدَاءُ التَّضْحِيَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِهِ كَتَلَفِهَا. وَلَا تَنْفَكُّ هِيَ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ، بَلْ تُجْزِئُهُ عَنِ التَّضْحِيَةِ، وَيَذْبَحُهَا فِي وَقْتِهَا. وَفِي وَجْهٍ: لَا تُجْزِئُهُ، بَلْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِسَلِيمَةٍ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. فَعَلَى الصَّحِيحِ: لَوْ خَالَفَ فَذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا ضَحِيَّةً أُخْرَى، لِأَنَّهَا بَدَلُ حَيَوَانٍ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ ابْتِدَاءً. وَلَوْ تَعَيَّبَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، ذَبَحَهَا وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، ذَبَحَهَا وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَعَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَلِهَا، وَتَقْصِيرُهُ بِالتَّأْخِيرِ كَالتَّعْيِيبِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ لَزِمَ ذِمَّتَهُ ضَحِيَّةٌ بِنَذْرٍ، أَوْ هَدْيٍ عَنْ قِرَانٍ، أَوْ تَمَتُّعٍ، أَوْ نَذْرٍ، فَعَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَحَدَثَ بِهَا عَيْبٌ قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، أَوْ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ، جَرَى الْخِلَافُ السَّابِقُ، فِي أَنَّهَا هَلْ تَتَعَيَّنُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَلَا أَثَرَ لِتَعْيِينِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: تَتَعَيَّنُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهَلْ عَلَيْهِ ذَبْحُ سَلِيمَةٍ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ سَلِيمٌ، فَلَا يَتَأَدَّى بِمَعِيبٍ. وَهَلْ تَنْفَكُّ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالتَّعْيِينِ. وَأَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: لَا تَلْزَمُهُ، بَلْ لَهُ تَمَلُّكُهَا وَبَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ التَّصَدُّقَ بِهَا ابْتِدَاءً، إِنَّمَا عَيَّنَهَا لِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى بِهَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. وَيَقْرُبُ الْوَجْهَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ عَيَّنَ أَفْضَلَ مِمَّا عَلَيْهِ ثُمَّ تَعَيَّبَ، هَلْ يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَلِ؟ فَفِي وَجْهٌ: يَلْزَمُ، لِالْتِزَامِهِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِالتَّعْيِينِ. وَالْأَصَحُّ: لَا يَلْزَمُ، كَمَا لَوِ الْتَزَمَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً، فَهَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute