الثَّالِثَةُ: إِذَا تَعَيَّبَ الْهَدْيُ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ ذَبْحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ مَوْضِعَ الذَّبْحِ، صَارَ كَالْحَاصِلِ فِي يَدِ الْمَسَاكِينِ، وَيَكُونُ كَمَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى الْإِمَامِ، فَتَلَفَتْ فِي يَدِهِ، فَإِنْهُ يَقَعُ زَكَاةً. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ مَا لَمْ يُذْبَحْ. وَقَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، فَالْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ وَهَلْ يَتَمَلَّكُ الْمُعَيَّنَ، أَمْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَكْفِيهِ ذَبْحُ الْمَعِيبِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ. وَيَقْرُبُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ شَدَّ قَوَائِمَ الشَّاةِ لِلتَّضْحِيَةِ، فَاضْطَرَبَتْ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا. وَرَأَى الْإِمَامُ تَخْصِيصَهُمَا بِمَنْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ إِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» : لَوْ مَاتَ، أَوْ سُرِقَ بَعْدَ وُصُولِهِ الْحَرَمَ، أَجْزَأَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ لِمَعِيبَةٍ بِعَوَرٍ وَنَحْوِهِ: جَعَلْتُ هَذِهِ ضَحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا ابْتِدَاءً، وَجَبَ ذَبْحُهَا، لِالْتِزَامِهِ، كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ مَعِيبًا، يُعْتَقُ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَيَكُونُ ذَبْحُهَا قُرْبَةً، وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهَا صَدَقَةً وَلَا تُجْزِئُ عَنِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا. وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَتَجْرِي مَجْرَى الضَّحَايَا فِي الْمَصْرِفِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أُضْحِيَّةً، بَلْ شَاةَ لَحْمٍ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا بَاسِمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا مَحْمَلَ لِكَلَامِهِ إِلَّا هَذَا. فَعَلَى هَذَا، لَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، تَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَا يَشْتَرِي أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَلَوْ أَشَارَ إِلَى ظَبْيَةٍ وَقَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ ضَحِيَّةً، فَهُوَ لَاغٍ.
وَلَوْ أَشَارَ إِلَى فَصِيلٍ أَوْ سَخْلَةٍ وَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، فَهَلْ هُوَ كَالظَّبْيَةِ، أَمْ كَالْمَعِيبِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَإِذَا أَوْجَبَهُ مَعِيبًا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute