هَكَذَا فَصَّلَ حُكْمَ الْأَكْلِ فِي الْمُلْتَزِمِ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُعْتَبِرِينَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمُلْتَزِمِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرْسَلِ، وَبِالْمَنْعِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ. قَالَ الْمُحَامِلِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْجَوَازُ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ، وَالْإِمَامِ. قَالَ فِي «الْعُدَّةِ» : وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُرَجَّحُ فِي الْمُعَيَّنِ: الْجَوَازُ، وَفِي الْمُرْسَلِ: الْمَنْعُ، سَوَاءً عَيَّنَهُ عَنْهُ ثُمَّ ذَبَحَ، أَوْ ذَبَحَ بِلَا تَعْيِينٍ؛ لِأَنَّهُ عَنْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَأَشْبَهَ الْجُبْرَانَاتِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» ، وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْأَكْلَ فِي الْمَنْذُورِ فَأَكَلَ، فَفِيمَا يَغْرَمُهُ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي الْجُبْرَانَاتِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا، فَفِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُهُ الْقَوْلَانِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ. هَكَذَا قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَلَكَ أَنْ تَقُولَ ذَاكَ الْخِلَافَ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ أَكْلُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ، وَأَقَلُّ مَا فِي تَرْكِهِ: الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلَافِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْأَكْلِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِمَا. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مِنْهُمَا شَيْئًا، بَلْ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ شَيْئًا مِنْهُمَا أُجْرَةً لَهُ، بَلْ مُؤْنَةُ الذَّبْحِ عَلَى الْمُضَحِّي وَالْمَهْدِيِّ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُمَا شَيْئًا لِفَقْرِهِ، أَوْ يُطْعِمَهُ إِنْ كَانَ غَنِيًّا. وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمَا، وَإِنْ جَازَ إِطْعَامُهُمْ. وَيَجُوزُ تَمْلِيكُ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمَا، لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. بَلْ لَوْ أَصْلَحَ الطَّعَامَ وَدَعَا إِلَيْهِ الْفُقَرَاءَ، قَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي يَنْقَدِحُ عِنْدِي إِذَا أَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْفُقَرَاءَ لِيَأْكُلُوهُ مَطْبُوخًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ فَإِنْ دُفِعَ مَطْبُوخًا، لَمْ يَجُزْ، بَلْ يُفَرِّقُهُ نَيِّئًا، فَإِنَّ الْمَطْبُوخَ، كَالْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ. وَهَلْ يَشْتَرِطُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا، أَمْ يَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ الْقَاصِّ، وَالِاصْطَخْرِيُّ، وَابْنُ الْوَكِيلِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّهِ. قَالُوا: وَيَحْصُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute