لَا يَكُونَ اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ، ذَكَرَ الْأَفْضَلَ، أَوْ تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا تُغْنِي عَنِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ إِذَا أَوْجَبْنَاهُ، وَأَنَّهَا لَا تُحْسَبُ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَيَجُوزُ صَرْفُ الْقَدْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَكَانَ ادِّخَارُهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَذِنَ فِيهِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: كَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: يَحْتَمِلُ التَّنْزِيهَ. وَذَكَرُوا عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهَيْنِ، فِي أَنَّ النَّهْيَ كَانَ عَامًّا، ثُمَّ نُسِخَ، أَمْ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الضِّيقِ الْوَاقِعِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَمَّا زَالَتِ انْتَهَى التَّحْرِيمُ؟ وَوَجْهَيْنِ عَلَى الثَّانِي: فِي أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَبِلَادِنَا، هَلْ يُحْكَمُ بِهِ؟ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْيَوْمَ بِحَالٍ. وَإِذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَصِيبِ الْأَكْلِ، لَا مِنْ نَصِيبِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ: يَتَصَدَّقُ بِالثُلُثِ، وَيَأْكُلُ الثُلُثَ، وَيَدَّخِرُ الثُلُثَ، فَبَعِيدٌ مُنْكَرٌ نَقْلًا وَمَعْنًى، فَإِنْهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ، وَالْمَعْرُوفُ الصَّوَابُ: مَا قَدَّمْنَاهُ.
قُلْتُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «الْمَبْسُوطِ» : أُحِبُّ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ الثُلُثَ، أَنْ يَهْدِيَ الثُلُثَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثُلُثِ، هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالصَّوَابِ، وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ يُخَالِفُهُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute