للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْجَوَارِحُ، فَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ، كَالْكَلْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ، وَغَيْرِهَا. وَبِجَوَارِحِ الطَّيْرِ، كَالْبَازِيِّ، وَالشَّاهِينِ، وَالصَّقْرِ. وَفِي وَجْهٍ يُحْكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ: لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِهَا: أَنَّ مَا أَخَذَتْهُ وَجَرَحَتْهُ وَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهَا مَيِّتًا، أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، حَلَّ أَكْلُهُ.

وَيَقُومُ إِرْسَالُ الصَّائِدِ وَجَرْحُ الْجَارِحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، مَقَامَ الذَّبْحِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إِثْبَاتِ الْمِلْكِ، فَلَا يَخْتَصُّ، بَلْ يَحْصُلُ بِأَيِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ. ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِحِلٍّ مَا قَتَلَهُ الْجَوَارِحُ، كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا، لَمْ يَحِلَّ مَا قَتَلَهُ. فَإِنْ أُدْرِكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، ذَكَّاهُ كَغَيْرِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْكَلْبِ مُعَلَّمًا، أَرْبَعَةُ أُمُورٍ.

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْزَجِرَ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ، كَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ. فَأَمَّا إِذَا انْطَلَقَ وَاشْتَدَّ عَدْوُهُ، فَفِي اشْتِرَاطِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا يُشْتَرَطُ.

الثَّانِي: أَنْ يَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أُغْرِيَ بِالصَّيْدِ هَاجَ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَمْسِكَ الصَّيْدَ فَيَحْبِسَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَا يُخَلِّيهِ.

الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ شَاذٍّ: لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ. هَذَا حُكْمُ الْكَلْبِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ: أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَنْطَلِقَ بِإِطْلَاقِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّهُ لَوِ انْطَلَقَ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا. وَرَآهُ الْإِمَامُ مُشْكِلًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَلْبَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، إِذَا رَأَى صَيْدًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى كَلَبِ الْجُوعِ، يُبْعِدُ انْكِفَافَهُ.

وَأَمَّا جَوَارِحُ الطَّيْرِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ أَيْضًا. وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ أَكْلِهَا مِنَ الصَّيْدِ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَطْمَعُ فِي انْزِجَارِهَا بَعْدَ الطَّيَرَانِ، وَيَبْعُدُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ انْكِفَافِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>