ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: الْأُمُورُ الْمُشْتَرِطَةُ فِي التَّعْلِيمِ، يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ. وَالرُّجُوعُ فِي عَدَدِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ، عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَفِي حِلِّ ذَلِكَ الصَّيْدِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَحُلُّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَدِدْتُ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَنْكَفَّ زَمَانًا ثُمَّ يَأْكُلُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ، لَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.
قُلْتُ: فَصَلَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا: إِنْ أَكَلَ عَقِيبَ الْقَتْلِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَإِلَّا، فَيَحِلُّ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِئْنَافِ التَّعْلِيمِ، وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ مِنْ قَبْلُ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْحِلِّ، فَتَكَرَّرَ أَكْلُهُ وَصَارَ عَادَةً لَهُ، حَرُمَ الصَّيْدُ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي تَحْرِيمِ الصَّيُودِ الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا مِنْ قَبْلُ، وَجْهَانِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ مِنْهُمَا التَّحْرِيمُ. قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ الثَّانِي، حَرُمَ، وَفِي الْأَوَّلِ، الْوَجْهَانِ. وَإِذَا أَكَلَ مِنَ الثَّالِثِ، حَرُمَ، وَفِيمَا قَبْلَهُ، الْوَجْهَانِ. وَهَذَا ذَهَابٌ إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ، يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي تَكَرُّرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُعَلَّمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيمِ فِي الْحِلِّ، وَأَثَرَ الْأَكْلِ فِي التَّحْرِيمِ، فَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا. وَعَلَى هَذَا، لَوْ عَرِفْنَا كَوْنَهُ مُعَلَّمًا، لَمْ يَنْعَطِفِ الْحِلُّ عَلَى مَا سَبَقَ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ، الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَلَوْ لَعِقَ الْكَلْبُ الدَّمَ، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ. وَلَوْ أَكَلَ حَشْوَةَ الصَّيْدِ، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلِي اللَّحْمُ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْحِلِّ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ كَالدَّمِ. وَلَوْ لَمْ يَسْتَرْسِلْ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، أَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ عِنْدَ الزَّجْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute