الثَّالِثَةُ: يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ قَطْعًا، وَلَا تَحِلُّ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ قَطْعًا. وَفِي حِلِّ الشِّبَعِ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعُمْرَانِ لَمْ يَحِلَّ، وَإِلَّا فَيَحِلُّ. وَرَجَّحَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ الْمَنْعَ. وَرَجَّحَ صَاحِبُ «الْإِفْصَاحِ» وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الْحِلَّ. هَكَذَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ أَكْثَرُهُمْ. وَفَصَّلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ تَفْصِيلًا حَاصِلُهُ: إِنْ كَانَ فِي بَادِيَةٍ وَخَافَ إِنْ تَرَكَ الشِّبَعَ لَا يَقْطَعُهَا وَيَهْلَكُ وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَشْبَعُ. وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَتَوَقَّعَ الطَّعَامَ الْحَلَالَ قَبْلَ عَوْدِ الضَّرُورَةِ، وَجَبَ الْقَطْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ حُصُولُ طَعَامٍ حَلَالٍ، وَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَرَامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، إِنْ لَمْ يَجِدِ الْحَلَالَ، فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.
قُلْتُ: هَذَا التَّفْصِيلُ، هُوَ الرَّاجِحُ. وَالْأَصَحُّ مِنَ الْخِلَافِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنَ الْمَيْتَةِ إِنْ لَمْ يُرْجَ الْوُصُولُ إِلَى الْحَلَالِ. وَإِنْ رَجَاهُ، قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ: يَحْرُمُ. وَعَنِ الْقَفَّالِ: أَنَّ مَنْ حَمَلَ الْمَيْتَةَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لَمْ يَمْنَعْ مَا لَمْ يَتَلَوَّثْ بِالنَّجَاسَةِ. وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّزَوُّدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَوْلَى.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: جَوَازُ التَّزَوُّدِ إِذَا رَجَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةُ: إِذَا جَوَّزْنَا الشِّبَعَ، فَأَكَلَ مَا سَدَّ رَمَقَهُ، ثُمَّ وَجَدَ لُقْمَةً حَلَالًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى يَأْكُلَهَا، فَإِذَا أَكَلَهَا هَلْ لَهُ الْإِتْمَامُ إِلَى الشِّبَعِ؟ وَجْهَانِ: وَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ بِاللُّقْمَةِ عَادَ إِلَى الْمَنْعِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى عَوْدِ الضَّرُورَةِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّادِسَةُ: لَوْ لَمْ يَجِدِ الْمُضْطَرُّ إِلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنَ الْبَذْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute