الْمَالِكِ بَذْلُهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَخَذُهُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ [عَلَيْهِ] مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، أَمْ قَدْرُ الشِّبَعِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَلَالِ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ؟ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: لَا يَجِبُ الْقِتَالُ، كَمَا لَا يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ وَأَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَخَصَّصَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» الْخِلَافَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَوْفٌ فِي الْأَخْذِ قَهْرًا. قَالَ: فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا.
فَرْعٌ
حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَالِكِ بَذْلَهُ لِلْمُضْطَرِّ، فَفِي «الْحَاوِي» وَجْهٌ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ مَجَّانًا، وَلَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ شَيْءٌ، كَمَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ بِلَا شَيْءٍ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ إِلَّا بِعِوَضٍ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إِذَا خَلَصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِالْوُقُوعِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، فَإِنْهُ لَا تَثْبُتُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ التَّخْلِيصُ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إِلَى تَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَسَوَّى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالُوا: إِنِ احْتَمَلَ الْحَالُ هُنَاكَ مُوَافَقَتَهُ عَلَى أُجْرَةٍ يَبْذُلُهَا أَوْ يَلْتَزِمُهَا لَمْ يَلْزَمْ تَخْلِيصُهُ حَتَّى يَلْتَزِمَهَا كَمَا فِي الْمُضْطَرِّ. وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ حَالُ التَّأْخِيرِ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ، فَأَطْعَمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ إِنْ بَذَلَ الْمَالِكُ طَعَامَهُ مَجَّانًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَيَأْكُلُهُ إِلَى أَنْ يَشْبَعَ، فَإِنْ بَذَلَهُ بِالْعِوَضِ نُظِرَ إِنْ لَمْ يُقَدِّرِ الْعِوَضَ لَزِمَ الْمُضْطَرَّ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَلَهُ أَنْ يَشْبَعَ، وَإِنْ قَدَّرَهُ، فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ مَا يَأْكُلُهُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَإِنْ أَفْرَدَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُقَدَّرُ ثَمَنَ الْمِثْلِ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَلِلْمُضْطَرِّ مَا فَضَلَ عَنِ الْأَكْلِ.
وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute