وَأَمَا الْمُبَاحُ فَالَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ، كَالْأَكْلِ، وَالنَّوْمِ، وَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهَا أَوْ تَرْكَهَا، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّيَ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عِنْدَ التَّهَجُّدِ، فَيَنَالُ الثَّوَابَ، لَكِنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَالثَّوَابُ يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ. وَهَلْ يَكُونُ نَذْرُ الْمُبَاحِ يَمِينًا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ؟ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي نَذْرِ الْمَعَاصِي وَالْفَرْضِ. وَقَطَعَ الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمُبَاحِ، وَذَكَرَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَجْهَيْنِ، وَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ. وَالصَّوَابُ فِي كَيْفِيَّةِ الْخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَرْعٌ:
لَوْ نَذَرَ الْجِهَادَ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا، فَفِي تَعْيِينِهَا أَوْجُهٌ.
قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: يَتَعَيَّنُ، لِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: لَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُجَاهِدَ فِي جِهَةٍ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَعْدَلُ، لَا يَتَعَيَّنُ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي يُجَاهِدُ فِيهَا كَالْمُعَيَّنَةِ فِي الْمَسَافَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَتُجْعَلُ مَسَافَاتُ الْجِهَاتِ كَمَسَافَاتِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ.
يُشْتَرَطُ فِي الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ، كَالصَّدَقَةِ، وَالتَّضْحِيَةِ، وَالْإِعْتَاقِ، أَنْ يَلْتَزِمَهَا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ يُضِيفَ إِلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ. فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَطْعًا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ فِي لُزُومِهَا وَجْهَيْنِ، وَهُوَ شَاذٌّ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَوْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute