وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، أَوِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَفِي لُزُومِ إِتْيَانِهِمَا قَوْلَانِ. قَالَ فِي «الْبُوَيْطِيِّ» : يَلْزَمُ، وَقَالَ فِي «الْأُمِّ» : لَا يَلْزَمُ، وَيَلْغُو النَّذْرُ. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ والرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
التَّفْرِيعُ: إِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: إِنَّهُ يَلْزَمُ إِتْيَانُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالْتِزَامِهِ، قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنْ حَمَلْنَا النَّذْرَ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا، لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُحْمَلُ عَلَى الْوَاجِبِ، بُنِيَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ هَلْ يَقْتَضِي الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، فَإِذَا أَتَاهُ، لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَهُوَ كَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ إِتْيَانُهُ؟ وَإِذَا لَزِمَ، فَتَفْرِيعُهُ كَتَفْرِيعِ الْمَسْجِدَيْنِ. أَمَّا إِذَا أَوْجَبْنَا إِتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى، فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ الْإِتْيَانِ شَيْءٌ آخَرُ؟ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا، إِذْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، إِذِ الْإِتْيَانُ الْمُجَرَّدُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: يَتَعَيَّنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَتَاهُ. قَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ، بَلْ يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا. وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَكْثَرُونَ: أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهَلْ يَكْفِي أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةٍ زَائِدَةٍ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا بِصَوْمٍ، فَهَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ؟
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ يَعْتَكِفُ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَخَصُّ الْقُرُبَاتِ بِالْمَسْجِدِ.
وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ: يُتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَبِهِ قُطِعَ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يَكْفِي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزِّيَارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَتَعْظِيمِهِ. قَالَ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ صَامَ يَوْمًا، كَفَاهُ. وَالظَّاهِرُ: الِاكْتِفَاءُ بِالزِّيَارَةِ. وَإِذَا نَزَّلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْزِلَةَ الْمَسْجِدَيْنِ، وَأَوْجَبْنَا ضَمَّ قُرْبَةٍ إِلَى الْإِتْيَانِ، فَفِي تِلْكَ الْقُرْبَةِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: الصَّلَاةُ. وَالثَّانِي: الْحَجُّ أَوِ الْعُمْرَةُ. وَالثَّالِثُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute