يُتَخَيَّرُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ قِيلَ: يَكْفِي الطَّوَافُ، لَمْ يَبْعُدْ. ثُمَّ مَهْمَا قَالَ: أَمْشِي إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّكُوبُ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إِذَا قَالَ: أَحُجُّ مَاشِيًا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَمْشِي مِنَ الْمِيقَاتِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. لَكِنْ يُحْرِمُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، أَمْ مِنَ الْمِيقَاتِ؟ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ: مِنَ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ قَالَ: أَمْشِي إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوِ الْأَقْصَى، وَأَوْجَبْنَا الْإِتْيَانَ، فَفِي وُجُوبِ الْمَشْيِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْوُجُوبُ. وَلَوْ كَانَ لَفْظُ النَّاذِرِ الْإِتْيَانَ، أَوِ الذَّهَابَ، أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّا سِوَى الْمَشْيِ، فَلَهُ الرُّكُوبُ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ إِتْيَانَ مَسْجِدٍ آخَرَ سِوَى الثَّلَاثَةِ، فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، إِذْ لَيْسَ فِي قَصْدِهَا قُرْبَةٌ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُشَدُّ الرِّحَّالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ. . . الْحَدِيثَ. قَالَ الْإِمَامُ: كَانَ شَيْخِي يُفْتِي بِالْمَنْعِ مِنْ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ: يُحْرِمُ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ، تَخْصِيصُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ، أَنَّ مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، أَوِ الْأَقْصَى لِلِاعْتِكَافِ، تَعَيَّنَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ، فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ، فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ، وَالْإِتْيَانَ بِخِلَافِهِ، وَيُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إِتْيَانَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَفِي مِثْلِهِ فِي الِاعْتِكَافِ خِلَافٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute