قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ بَاعَ الْمِسْكَ الْمُخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ. كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِمَاءٍ. وَلَوْ بَاعَ سَمْنًا فِي ظَرْفٍ، وَرَأَى أَعْلَاهُ مَعَ ظَرْفِهِ أَوْ دُونَهُ، صَحَّ. فَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِظَرْفِهِ، كُلُّ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ، بَطَلَ. وَإِنْ كَانَ، فَقَدْ قِيلَ: يَصِحُّ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا، كَمَا لَوْ بَاعَ فَوَاكِهَ مُخْتَلِطَةً، أَوْ حِنْطَةً مُخْتَلِطَةً بِشَعِيرٍ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا. وَقِيلَ: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ السَّمْنُ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ الْفَوَاكِهِ، فَكُلُّهَا مَقْصُودَةٌ. وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَا وَزْنَ الظَّرْفِ وَالسَّمْنِ، جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ. وَإِنْ بَاعَ الْمِسْكَ بِفَأْرَةٍ، كُلُّ مِثْقَالٍ بِدِينَارٍ، فَكَالسَّمْنِ بِظَرْفِهِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ: لَوْ رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ، وَبَعْضُهُ الْآخَرُ فِي صُنْدُوقٍ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْغَائِبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: بَاطِلٌ قَطْعًا. وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ، رَأَى أَحَدَهُمَا فَقَطْ، فَإِنْ أَبْطَلْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ، بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَرَهُ، وَفِي الْمَرْئِيِّ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِلَّا، فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيهِمَا، الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارَ. فَإِنْ صَحَّحْنَا، فَلَهُ رَدُّ مَا لَمْ يَرَهُ وَإِمْسَاكُ مَا رَآهُ.
السَّادِسُ: إِذَا لَمْ يَشْرُطِ الرُّؤْيَةَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَنَوْعِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ عَبْدِيَ التُّرْكِيَّ، أَوْ فَرَسِيَ الْعَرَبِيَّ. وَلَا يَكْفِي: بِعْتُكَ مَا فِي كُمِّي أَوْ كَفِّي أَوْ خِزَانَتِي، أَوْ مِيرَاثِي مِنْ فُلَانٍ، إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُشْتَرِي. وَفِي وَجْهٍ: يَكْفِي. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى النَّوْعِ، فَيَقُولُ: عَبْدِي، وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ. وَإِذَا ذَكَرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ، لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى ذِكْرِ الصِّفَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ فِي «الْإِمْلَاءِ» وَالْقَدِيمِ. وَفِي وَجْهٍ: يَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ مُعْظَمِ الصِّفَاتِ، وَضَبْطُ ذَلِكَ بِمَا يَصِفُ بِهِ الْمُدَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ. وَفِي وَجْهٍ أَضْعَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute