وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، مَوْزُونَانِ. وَالْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْمِلْحُ، وَنَحْوُهَا، مَكِيلَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَكِيلًا بِالْحِجَازِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ مَكِيلٌ، وَمَا كَانَ مَوْزُونًا، فَمَوْزُونٌ. فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَا اعْتِبَارَ بِإِحْدَاثِهِمْ. فَلَوْ كَانَ الْمِلْحُ قِطَعًا كِبَارًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُسْحَقُ وَيُبَاعُ كَيْلًا، فَإِنَّهُ الْأَصْلُ. وَأَصَحُّهُمَا: يُبَاعُ وَزْنًا اعْتِبَارًا بِهَيْئَتِهِ فِي الْحَالِ. وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَتَجَافَى فِي الْكَيْلِ، يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ كَانَ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ يُكَالُ، أَمْ يُوزَنُ؟ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يُوزَنُ مَرَّةً وَيُكَالُ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنْ كَانَ أَكْبَرَ جَرْمًا مِنَ التَّمْرِ، اعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَصْغَرَ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: تُعْتَبَرُ عَادَةُ الْوَقْتَ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: عَادَةُ الْوَقْتِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ. فَإِنِ اخْتَلَفَتْ وَلَا غَالِبَ، اعْتَبَرْنَا شِبْهَ الْأَشْيَاءِ بِهِ. وَالثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ. وَالرَّابِعُ: الْكَيْلُ. وَالْخَامِسُ: يُعْتَبَرُ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِهِ. وَالسَّادِسُ: يُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْخِلَافَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْءِ أَصْلٌ مَعْلُومُ الْعِيَارِ. أَمَّا إِذَا اسْتُخْرِجَ مَا هَذَا حَالُهُ مِنْ أَصْلٍ. فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِأَصْلِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَسَوَاءٌ الْمِكْيَالُ الْمُعْتَادُ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَائِرُ الْمَكَايِيلِ الْمُحْدَثَةِ بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّا إِذَا عَرَفْنَا التَّسَاوِيَ بِالتَّعْدِيلِ فِي كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، تَكْتَفِي بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ قَدْرَ مَا فِي كُلِّ كِفَّةٍ. وَفِي الْكَيْلِ بِالْقَصْعَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَادُ الْكَيْلُ بِهِ، تَرَدُّدٌ لِلْقَفَّالِ. وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ. وَالْوَزْنُ بِالطَّيَّارِ وَالْقَرَسْطُونِ وَزْنٌ. وَأَمَّا الْمَاءُ، فَقَدْ يَتَأَتَّى بِهِ الْوَزْنُ، بِأَنْ يُوضَعَ الشَّيْءُ فِي ظَرْفٍ وَيُلْقَى فِي الْمَاءِ، وَيُنْظَرَ قَدْرُ غَوْصِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ.
قُلْتُ: قَدْ عَوَّلَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَفِي الزَّكَاةِ، فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِهِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute