للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا.

هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَوَجْهٌ: أَنَّهُمَا لَوْ شَرَعَا فِي أَمْرٍ آخَرَ، وَأَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ، وَطَالَ الْفَصْلُ، انْقَطَعَ الْخِيَارُ. ثُمَّ الرُّجُوعُ فِي التَّفَرُّقِ إِلَى الْعَادَةِ.

فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا، لَزِمَ بِهِ الْعَقْدُ. فَلَوْ كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ، فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا، أَوْ يَصْعَدَ السَّطْحَ.

وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ، أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ. فَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ كَبِيرَةً، حَصَلَ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الصَّحْنِ، أَوْ مِنَ الصَّحْنِ إِلَى بَيْتٍ أَوْ صُفَّةٍ.

وَإِنْ كَانَا فِي صَحْرَاءٍ أَوْ فِي سُوقٍ، فَإِذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَمَشَى قَلِيلًا، حَصَلَ التَّفَرُّقُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ، لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ.

وَلَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يُرْخَى سِتْرٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُشَقَّ نَهْرٌ.

وَلَا يَحْصُلُ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا مِنْ طِينٍ أَوْ جِصٍّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحْنُ الدَّارِ وَالْبَيْتِ [الْوَاحِدِ] إِذَا تَفَاحَشَ اتِّسَاعُهُمَا كَالصَّحْرَاءِ.

فَرْعٌ

لَوْ تَنَادَيَا مُتَبَاعِدَيْنِ وَتَبَايَعَا صَحَّ الْبَيْعُ.

قَالَ الْإِمَامُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا ; لِأَنَّ التَّفَرُّقَ الطَّارِئَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ، فَالْمُقَارِنُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَثْبُتُ مَا دَامَا فِي مَوْضِعِهِمَا، وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» .

ثُمَّ إِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ، بَطَلَ خِيَارُهُ.

وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ أَمْ يَدُومُ إِلَى أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَهُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ، بَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ. وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ أَوْ صَحْنٍ وَصُفَّةٍ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا كَالْمُتَبَاعِدَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَأَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ حَتَّى يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>