أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ فِي الْبَلَدِ، حَجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِهِ بِمَا يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ. وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَيُمْهَلُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّمَنِ. وَلَمْ أَرَ هَذَا الْوَجْهَ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ لِغَيْرِهِ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ، قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: يَحْجُرُ عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْجُرُ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ إِنْ كَانَ مَالُهُ وَافِيًا بِدُيُونِهِ. وَعَلَى هَذَا، هَلْ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي الِاحْتِسَابِ؟ وَجْهَانِ. أَشْبَهُهُمَا: يَدْخُلُ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَجْرُ يُخَالِفُ الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُسَلَّطُ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى عَيْنِ الْمَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ضِيقِ الْمَالِ عَنِ الْوَفَاءِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، لَمْ يُحْجَرْ أَيْضًا هَذَا الْحَجْرَ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لَمْ يُكَلَّفِ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إِلَى إِحْضَارِهِ. وَفِيمَا يَفْعَلُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ فِي حَقِّهِ وَيُودَى مِنْ ثَمَنِهِ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ. فَإِنْ فَسَخَ، فَذَاكَ، وَإِنْ صَبَرَ إِلَى الْإِحْضَارِ، فَالْحَجْرُ عَلَى مَا سَبَقَ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا فَسْخَ، بَلْ يَرُدُّ الْمَبِيعَ إِلَى الْبَائِعِ، وَيَحْجُرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيُمْهَلُ إِلَى الْإِحْضَارِ، وَزَعَمَ فِي «الْوَسِيطِ» أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهَلْ هُوَ كَالَّذِي فِي الْبَلَدِ، أَوْ كَالَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي «الْمُحَرَّرِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا، فَهُوَ مُفْلِسٌ، وَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ. وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ لَا فَسْخٌ، بَلْ تُبَاعُ السِّلْعَةُ وَيُوَفَّى مِنْ ثَمَنِهَا حَقُّ الْبَائِعِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، فَلِلْمُشْتَرِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute