للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْمَرْهُونِ، حَتَّى تُنَزَّلَ عَادَتُهُمْ عَلَى رَأْيِ مُنَزِّلِهِ شَرْطَ الِانْتِفَاعِ، وَيُحْكَمُ بِفَسَادِ الرَّهْنِ. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ. فَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى تَرْكِهِ، فَلَا بَأْسَ، وَيَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ، كَكِبَرِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ، كَالْحِصْرِمِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهِمَا. فَأَمَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، كَالْجَوْزِ وَالْكُمَّثْرَى، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَيْضًا.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْأَشْجَارُ لِلْمُشْتَرِي، بِأَنْ يَبِيعَ إِنْسَانًا شَجَرَةً، وَتَبْقَى الثَّمَرَةُ لَهُ، ثُمَّ يَبِيعَهُ الثَّمَرَةَ، أَوْ يُوصِي لِإِنْسَانٍ بِالثَّمَرَةِ فَيَبِيعُهَا لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ، فَفِي اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ، وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: يُشْتَرَطُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ هُنَا، بَلْ لَهُ الْإِبْقَاءُ، إِذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثِمَارِهِ عَنْ أَشْجَارِهِ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ، فَبَقِيَتْ لِلْبَائِعِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى شَرْطِ الْقَطْعِ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الشَّجَرَةُ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِلْعَاهَاتِ، وَالثَّمَرَةُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِحُكْمِ الدَّوَامِ. وَلَوْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، فَاسْتَثْنَاهَا لِنَفْسِهِ، فَفِي وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهَا. فَعَلَى هَذَا، لَهُ الْإِبْقَاءُ إِلَى وَقْتِ الْجِدَادِ. وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، جَازَ. وَالثَّانِي: يَجِبُ، وَلَا يَصِحُّ التَّصْرِيحُ بِالْإِبْقَاءِ.

قُلْتُ: قَالَ الْإِمَامُ: إِذَا قُلْنَا: يَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ، فَأَطْلَقَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ، وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ: وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ صَرْفَ الثَّمَرَةِ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَائِهَا مُحَالٌ. قَالَ: فَالْوَجْهُ عَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُطْلَقِ شَرْطًا فَاسِدًا مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْأَشْجَارِ، كَاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ مَعَ الشَّجَرِ، فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ.

قُلْتُ: لَوْ قَطَعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ ثُمَّ بَاعَ الثَّمَرَةَ وَهِيَ عَلَيْهَا، جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ ; لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَبْقَى عَلَيْهَا، فَيَصِيرُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>