فَرْعٌ
لَوْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إِلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ جِنْسَيْنِ إِلَى أَجَلٍ، صَحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ السَّلَمِ، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ بَيْعٍ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِهِ. وَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ الْحَالِّ فِي الْحَالِ، وَفِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ عِنْدَ الْمَحَلِّ. فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُنْقَطِعٍ لَدَى الْمَحَلِّ، كَالرُّطَبِ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ كَالصَّيْدِ حَيْثُ يَعِزُّ لَمْ يَصِحَّ. فَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَجُودُهُ لَكِنْ لَا يُحَصِّلُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، كَالْقَدْرِ الْكَثِيرِ فِي الْبَاكُورَةِ، فَوَجْهَانِ. أَقْرَبُهُمَا إِلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ: الْبُطْلَانُ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ لَا يُوجَدُ بِبَلَدِهِ وَيُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَإِنَّمَا التَّقْرِيبُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ يُعْتَادُ نَقْلُهُ إِلَيْهِ فِي غَرَضِ الْمُعَامَلَةِ، لَا لِلتُّحَفِ وَالْمُصَادَرَاتِ صَحَّ السَّلَمُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، فَلَا بَأْسَ بِانْقِطَاعِهِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ، ثُمَّ انْقَطَعَ عِنْدَ الْمَحَلِّ لِجَائِحَةٍ فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَأَظْهَرُهُمَا: لَا، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ إِلَى وُجُودِهِ. وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ أَنْ لَا يُوجَدَ عِنْدَ الْمَحَلِّ أَصْلًا، أَوْ وُجِدَ فَسَوَّفَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ حَتَّى انْقَطَعَ. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. أَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا يَنْفَسِخُ فِيهَا قَطْعًا بِحَالٍ، فَإِنْ أَجَازَ ثُمَّ بَدَا لَهُ، مُكِّنَ مِنَ الْفَسْخِ كَزَوْجَةِ الْمَوْلَى إِذَا رَضِيَتْ ثُمَّ أَرَادَتِ الْمُطَالَبَةَ، كَانَ لَهَا ذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» فِي بَابِ التَّفْلِيسِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ لَا؟ كَالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْمَبِيعِ بِالْإِفْلَاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute