الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَخْتَلِفَ عَادَتُهَا، وَلَهَا صُوَرٌ.
مِنْهَا: أَنْ تَسْتَمِرَّ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مُنْتَظِمَةٌ بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، ثُمَّ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً، وَفِي شَهْرٍ سَبْعَةً، ثُمَّ فِي الرَّابِعِ ثَلَاثَةً، ثُمَّ فِي الْخَامِسِ خَمْسَةً، وَفِي السَّادِسِ سَبْعَةً، وَهَكَذَا أَبَدًا، فَهَلْ تُرَدُّ بَعْدَ الِاسْتِحَاضَةِ إِلَى هَذِهِ الْعَادَةِ؟
وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: تُرَدُّ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ، سَوَاءً كَانَتْ عَادَتُهَا مُنْتَظِمَةً عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، أَمْ عَلَى تَرْتِيبٍ آخَرَ، بِأَنْ كَانَتْ تَرَى خَمْسَةً، ثُمَّ ثَلَاثَةً، ثُمَّ سَبْعًا، ثُمَّ تَعُودُ الْخَمْسَةُ.
وَسَوَاءٌ رَأَتْ كُلَّ قَدْرٍ مَرَّةً، كَمَا ذَكَرْنَا، أَمْ مَرَّتَيْنِ، بِأَنْ تَرَى فِي شَهْرَيْنِ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً. وَفِي شَهْرَيْنِ بَعْدَهُمَا خَمْسَةً خَمْسَةً، وَفِي شَهْرَيْنِ بَعْدَهُمَا سَبْعَةً سَبْعَةً. ثُمَّ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ. فَأَمَّا إِذَا رَأَتِ الْأَقْدَارَ الثَّلَاثَةَ، فِي ثَلَاثَةِ أَدْوَارٍ، ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إِلَى الْأَقْدَارِ، لِأَنَّا إِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ، فَالْأَخِيرُ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ، فَلِأَنَّهُ لَمْ تَتَكَرَّرِ الْأَقْدَارُ لِتَصِيرَ عَادَةً، وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ: أَقَلُّ مَا تَسْتَقِيمُ فِيهِ الْعَادَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ رَأَتْ هَذِهِ الْأَقْدَارَ مَرَّتَيْنِ، فَأَقَلُّهُ سَنَةٌ. ثُمَّ إِذَا قُلْنَا: تُرَدُّ إِلَى هَذِهِ الْعَادَةِ، فَاسْتُحِيضَتْ عَقِبَ شَهْرِ الثَّلَاثَةِ، رُدَّتْ فِي أَوَّلِ شُهُورِ الِاسْتِحَاضَةِ إِلَى الْخَمْسَةِ. وَفِي الثَّانِي: إِلَى السَّبْعَةِ. وَفِي الثَّالِثِ: إِلَى الثَّلَاثَةِ. وَإِنِ اسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرِ الْخَمْسَةِ، رُدَّتْ إِلَى السَّبْعَةِ، ثُمَّ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ الْخَمْسَةِ. وَإِنِ اسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرِ السَّبْعَةِ، رُدَّتْ إِلَى الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ الْخَمْسَةِ، ثُمَّ السَّبْعَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُرَدُّ إِلَيْهَا، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: تُرَدُّ إِلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا. وَالثَّانِي: إِلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لِلِاسْتِحَاضَةِ. فَإِنِ اسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرِ الْخَمْسَةِ، رُدَّتْ إِلَى الثَّلَاثَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ. وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ بَعْدَ الْبَحْثِ لِغَيْرِهِ، وَلَا لِشَيْخِهِ، بَلِ الْمَذْهَبُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ، أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ. وَعَلَى هَذَا، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute