للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ، فَقَالَ: اسْتَقْرَضْتُهَا وَرَهَنْتُهُ، صَحَّ الرَّهْنُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: ارْتَهَنْتُ وَبِعْتُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ لَمْ يَصِحَّ لِتَقَدُّمِ شِقَّيِ الرَّهْنِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيِ الْبَيْعِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: ارْتَهَنْتُ وَبِعْتُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: رَهَنْتُ وَاشْتَرَيْتُ، لِتَقَدُّمِ شِقَّيِ الرَّهْنِ عَلَى شِقَّيِ الْبَيْعِ، فَالشَّرْطُ أَنْ يَقَعَ أَحَدُ شِقَّيِ الرَّهْنِ بَيْنَ شَقِّيِ الْبَيْعِ، وَالْآخَرُ بَعْدَ شَقَّيِ الْبَيْعِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِكَذَا وَرَهَنْتُ بِهِ هَذَا الثَّوْبَ، فَقَالَ: بِعْتُ وَارْتَهَنْتُ، بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي دَارَكَ، فَقَالَ اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا، يَتِمُّ الْعَقْدُ بِمَا جَرَى. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ. وَالثَّانِي، قَالَهُ الْقَاضِي: لَا يَتِمُّ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ: ارْتَهَنْتُ أَوْ قَبِلْتُ؛ لِأَنَّ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الشَّرْطُ إِيجَابُ الرَّهْنِ لَا اسْتِيجَابُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: افْعَلْ كَذَا لِتَبِيعَنِي، لَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبًا لِلْبَيْعِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ السَّبَبِ الدَّاعِي لَهُ إِلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُنَا بَاعَ وَشَرَطَ الرَّهْنَ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ الِالْتِمَاسَ، أَوْ أَبْلَغَ مِنْهُ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَوْنُهُ لَازِمًا. وَالدُّيُونُ الثَّابِتَةُ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَصِيرُ لَازِمًا بِحَالٍ، كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ، وَالْآخَرُ غَيْرُهُ. وَهُوَ نَوْعَانِ. لَازِمٌ فِي حَالِ الرَّهْنِ، وَغَيْرُ لَازِمٍ. فَالْأَوَّلُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَسْبُوقًا بِحَالَةِ الْجَوَازِ، أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِرًّا، كَالْقَرْضِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمُقْتَرَضِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، كَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَيُنْظَرُ، إِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ، كَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، صَحَّ الرَّهْنُ بِهِ أَيْضًا، لِقُرْبِهِ مِنَ اللُّزُومِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ، فَأَمَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ مَانِعًا، فَالظَّاهِرُ مَنْعُ الرَّهْنِ، لِوُقُوعِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي الثَّمَنِ مَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>