أَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَبِعْ صَاحِبُ الْعَقَارِ عَقَارَهُ إِلَّا بِشَرْطِ الرَّهْنِ. وَلَوِ اقْتَرَضَ لَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَرَهَنَ بِهِ لَمْ يَجُزْ، قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ التَّلَفَ عَلَى مَا يُقْرِضُهُ خَوْفَهُ عَلَى مَا يَرْهَنُهُ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَوْدِعُهُ، وَوَجَدَ مَنْ يَرْتَهِنُهُ، وَالْمَرْهُونُ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنَ الْقَرْضِ، وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ رَهْنُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَقْتَرِضَ لَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَى النَّفَقَةِ، أَوِ الْكُسْوَةِ، أَوْ لِتَوْفِيَةِ مَا لَزِمَهُ، أَوْ لِإِصْلَاحِ ضَيَاعِهِ أَوْ مَرَمَّتِهَا ارْتِقَابًا لِغَلَّتِهَا، أَوْ لِانْتِظَارِ حُلُولِ دَيْنٍ لَهُ مُؤَجَّلٍ، أَوْ نَفَاقِ مَتَاعِهِ الْكَاسِدِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَقِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَبَيْعُ مَا يُرِيدُ رَهْنَهُ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِقْرَاضِ. وَحُكِيَ وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُ مَالِ الصَّبِيِّ بِحَالٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا الِارْتِهَانُ، فَمِنْ صُوَرِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَى الْوَلِيِّ اسْتِيفَاءُ دَيْنِ الصَّبِيِّ، فَيَرْتَهِنُ بِهِ إِلَى تَيْسِيرِهِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا بِأَنْ وَرِثَهُ كَذَلِكَ. وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الْوَلِيُّ مَالَهُ مُؤَجَّلًا بِغِبْطَةٍ، فَلَا يُكْتَفَى بِيَسَارِ الْمُشْتَرِي، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الِارْتِهَانِ بِالثَّمَنِ. وَفِي النِّهَايَةِ إِشَارَةٌ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ، أَخْذًا مِنْ جَوَازِ إِبْضَاعِ مَالِهِ. وَإِذَا ارْتَهَنَ جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَا يُسَاوِي الْمَبِيعَ نَقْدًا، وَإِنَّمَا يَرْتَهِنُ وَيُؤَجِّلُ بِالنَّسِيئَةِ لِلْفَاضِلِ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ عَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ. وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ: إِنَّهُ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَلَا ذِكْرَ لِهَذَا الْوَجْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ. وَإِنَّمَا اشْتُهِرَ الْخِلَافُ عِنْدَهُمْ، فِيمَا إِذَا بَاعَ مَا يُسَاوِي مِائَةً نَقْدًا، وَمِائَةً وَعِشْرِينَ نَسِيئَةً بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ نَسِيئَةً، وَأَخَذَ بِالْجَمِيعِ رَهْنًا، فَفِيهِ عِنْدُهُمْ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ النَّصِّ، وَقَوْلُ أَكْثَرِهِمْ: إِنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي، وَشَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ: فَإِذَا جَوَّزْنَا الْبَيْعَ نَسِيئَةً، فَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمُشْتَرِيَ ثِقَةً مُوسِرًا، وَيَكُونُ الْأَجَلُ قَصِيرًا: قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْأَجَلِّ الَّذِي لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: سَنَةٌ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَتَقَدَّرُ بِالسَّنَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute