يَدِ الْمُرْتَهِنِ خَمْرًا، بَطَلَ الرَّهْنُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، لِخُرُوجِهِ عَنِ الْمَالِيَّةِ. وَقِيلَ: إِنْ عَادَ خَلًّا، بَانَ أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِلَّا، بَانَ بُطْلَانُهُ، فَإِنْ أَبْطَلْنَا، فَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهَنِ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ ; لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ عَادَ خَلًّا، عَادَ الرَّهْنُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا يَعُودُ الْمِلْكُ. وَمُرَادُهُمْ بِبُطْلَانِهِ أَوَّلًا: ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ مَا دَامَ خَمْرًا، وَلَمْ يُرِيدُوا اضْمِحْلَالَ أَثَرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلَوْ رَهْنَ شَاةً فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَدَبَغَ جِلْدَهَا لَمْ يَعُدْ رَهَنًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَدَّثَتْ بِالْمُعَالَجَةِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَلِأَنَّ الْعَائِدَ غَيْرُ ذَلِكَ الْمِلْكِ. وَلَوِ انْقَلَبَ خَمْرًا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَفِي بُطْلَانِهِ الْبُطْلَانَ الْكُلِّيَّ، وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِاخْتِلَالِهِ فِي حَالِ ضَعْفِ الرَّهْنِ، وَعَدَمِ لُزُومِهِ. وَالثَّانِي: لَا، كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، تَرْجِيحُ هَذَا.
قُلْتُ: قَدْ قَطَعَ صَاحِبَا «الشَّامِلِ» وَ «الْبَيَانِ» بِالْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ الثَّانِيَ أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ، ثَبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُرْتَهَنِ، لَأَنَّ الْخَلَّ دُونَ الْعَصِيرِ. وَلَا يَصِحُّ الْإِقَبَاضُ فِي حَالِ الْخَمْرِيَّةِ، فَلَوْ فَعَلَ وَعَادَ خَلًّا، فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنَ اسْتِئْنَافِ قَبْضٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا بُدَّ مِنَ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ، ثُمَّ الْقَبْضُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا رَهَنَهُ مَا هُوَ فِي يَدِهِ.
فَرْعٌ
لَوِ انْقَلَبَ الْمَبِيعُ خَمْرًا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْكَلَامُ فِي انْقِطَاعِ الْبَيْعِ وَعَوْدِهِ إِذَا عَادَ خَلًّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي انْقِلَابِ الْعَصِيرِ الْمَرْهُونِ خَمْرًا بَعْدَ الْقَبْضِ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute