الضَّرْبُ الثَّانِي: الْإِقْرَارُ. فَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَنْ مُعَامَلَةٍ، أَوْ إِتْلَافٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ؟ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا. لِئَلَّا يَضُرُّهُمْ بِالْمُزَاحَمَةِ. وَأَظْهَرُهُمَا: يُقْبَلُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ. وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يَزْحَمُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ، وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ، فَإِنْ قَالَ: عَنْ مُعَامَلَةٍ لَمْ تُقْبَلْ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ قَالَ: عَنِ إِتْلَافٍ أَوْ جِنَايَةٍ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَمَا قَبْلَ الْحَجْرِ، وَقِيلَ: كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ بَعْدَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَلَمْ يَنْسُبْهُ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: التَّنْزِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَعْلُهُ كَإِسْنَادِهِ إِلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ.
قُلْتُ: هَذَا ظَاهِرٌ إِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ. فَإِنْ أَمْكَنَتْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ ; لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِعَيْنِ مَالٍ لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: غَصَبْتُهُ، أَوِ اسْتَعَرْتُهُ، أَوْ أَخَذْتُهُ سَوْمًا، فَقَوْلَانِ كَمَا لَوْ أَسْنَدَ الدَّيْنَ إِلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ، أَظْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ. لَكِنْ إِذَا قَبِلْنَا، فَفَائِدَتُهُ هُنَاكَ مُزَاحَمَةُ الْمُقِرِّ لَهُ الْغُرَمَاءُ، وَهُنَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ الْعَيْنُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ، فَإِنْ فَضَلَ، سُلِّمَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا، فَالْغُرْمُ فِي ذِمَّتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ، حَيْثُ أَبْطَلْنَاهُ فِي الْحَالِّ قَطْعًا وَكَذَا عِنْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ حَيْثُ قَبِلْنَاهُ فِي الْمُفْلِسِ قَطْعًا، وَفِي الْغُرَمَاءِ عَلَى الْأَظْهَرِ، أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ، مَنْعُهُ التَّصَرُّفَ، فَأَبْطَلْنَاهُ. وَالْإِقْرَارُ إِخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ، وَالْحَجْرُ لَا يَسْلُبُهُ الْعِبَارَةَ.
فَرْعٌ
أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ تُوجِبُ الْقَطْعَ، قُطِعَ. وَفِي رَدِّ الْمَسْرُوقِ، الْقَوْلَانِ. وَالْقَبُولُ هُنَا أَوْلَى، لِبُعْدِهِ عَنِ التُّهْمَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَعَفَا عَلَى مَالٍ، فَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِدَيْنِ الْجِنَايَةِ. وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْقَبُولِ، لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute