وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَتِرَةً، فَهِيَ شَاهِدَةٌ مَوْثُوقٌ بِهَا، قَابِلَةٌ لِلْإِفْرَادِ بِالْبَيْعِ، وَكَانَتْ أَحَدَ مَقْصُودَيِ الْبَيْعِ، فَرَجَعَ فِيهَا رُجُوعَهُ فِي النَّخِيلِ.
وَرَابِعُهَا: إِذَا كَانَتِ النَّخْلَةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُطْلِعَةٍ، وَأَطْلَعَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَكَانَتْ يَوْمَ الرُّجُوعِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ وَحَرْمَلَةَ: يَأْخُذُ الطَّلْعَ مَعَ النَّخْلِ ; لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا هُنَا. وَالثَّانِي: لَا يَأْخُذُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ إِفْرَادُهُ فَأَشْبَهَ الْمُؤَبَّرَةَ. وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُهُ قَطْعًا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ. فَحَيْثُ أَزَالَ الْمِلْكَ بِاخْتِيَارِهِ بَعِوَضٍ، بِيعَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ. وَإِنْ زَالَ قَهْرًا بَعِوَضٍ، كَالشُّفْعَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَالتَّبَعِيَّةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَإِنْ زَالَ بِلَا عِوَضٍ، بِاخْتِيَارٍ أَوْ قَهْرٍ، كَالرُّجُوعِ بِهِبَةِ الْوَلَدِ، فَفِيهِ أَيْضًا الْقَوْلَانِ.
وَحُكْمُ بَاقِي الثَّمَرَةِ وَمَا يَلْتَحِقُ مِنْهَا بِالْمُؤَبَّرَةِ، وَمَا لَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبَيْعِ. فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ، فَجَرَى التَّأْبِيرُ وَالرُّجُوعُ، فَقَالَ الْبَائِعُ: رَجَعْتُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ، فَالثِّمَارُ لِي، وَقَالَ الْمُفْلِسُ: بَعْدَهُ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُفْلِسِ مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ حِينَئِذٍ، وَبَقَاءُ الثِّمَارِ لَهُ. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَيُخَرَّجُ قَوْلُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النُّكُولَ وَرَدَّ الْيَمِينِ كَالْإِقْرَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ. وَفِي قَوْلٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ; لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِتَصَرُّفِهِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ قَوْلُ: إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ السَّابِقِ بِالدَّعْوَى. وَقَوْلُ: إِنَّهُمَا إِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ التَّأْبِيرِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْفَسْخِ، فَقَوْلُ الْمُفْلِسِ. وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الْفَسْخِ، وَاخْتَلَفَا فِي التَّأْبِيرِ، فَقَوْلُ الْبَائِعِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْإِسْلَامِ. قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ، فَالثَّمَرَةُ لِي. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute