لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَزْعُمُ اسْتِحْقَاقَ الْجَمِيعِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسَلِّمُ النِّصْفَ لَهُ بِحُكْمِ هِبَتِهِ لَهُ، وَتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ، فَبَقِيَ الْخِلَافُ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي. قَالُوا: وَمَتَى اخْتَلَفَ الْقَابِضُ وَالدَّافِعُ فِي الْجِهَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّهْنِ. وَالدَّافِعُ هُنَا يَقُولُ: إِنَّمَا بَذَلْتُ النِّصْفَ لِدَفْعِ الْأَذَى، حَتَّى لَا يَرْفَعَنِي إِلَى الْقَاضِي، وَلَا يُقِيمَ عَلَيَّ بَيِّنَةَ زُورٍ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا، وَتَصَالَحَا عَلَى بَعْضِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ نُظِرَ، إِنْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَحْضَرَ خَمْسَمِائَةٍ وَتَصَالَحَا مِنَ الْأَلْفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا، فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى صُلْحِ الْحَطِيطَةِ فِي الْعَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ، فَهُنَا أَوْلَى. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَالْأَصَحُّ: الْبُطْلَانُ بِاتِّفَاقِهِمْ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ، لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْمُحْضَرَ، وَفِي الصُّلْحِ عَلَيْهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً مَعَ الْإِنْكَارِ. وَلَوْ تَصَالَحَا، ثُمَّ اخْتَلَفَا هَلْ تَصَالَحَا عَلَى الْإِنْكَارِ، أَمْ عَلَى الِاعْتِرَافِ؟ قَالَ ابْنُ كَجٍّ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ، هَلْ عَقَدَا صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا.
قُلْتُ: الصَّوَابُ، مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُ «الْبَيَانِ» وَغَيْرُهُمَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ: فِي الصُّلْحِ الْجَارِي بَيْنَ الْمُدِّعِي وَأَجْنَبِيٍّ، وَلَهُ حَالَانِ:
الْأَوَّلُ: مَعَ إِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا، وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِكَ لَهُ عَلَى نِصْفِ الْمُدَّعَى، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ مِنْ مَالِهِ، فَتَصَالَحَا عَلَيْهِ، صَحَّ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِكَ عَنْهُ عَلَى عَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِهِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْوَكَالَةِ، صَارَ الْمُدَّعَى مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ شِرَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute