لِأَنَّ الْجُذُوعَ إِذَا رُفِعَتْ أَطْرَافُهَا، لَمْ تَسْتَمْسِكْ عَلَى الْجِدَارِ الْبَاقِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ أَصْلًا، وَلَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْقَلْعُ، وَلَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْإِعَارَةِ، يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ، فَأَشْبَهَ الْإِعَارَةَ لِدَفْنِ مَيِّتٍ، فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَلَا أُجْرَةَ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ رَفَعَ الْجُذُوعَ صَاحِبُهَا، أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا، لَمْ يَمْلِكْ إِعَادَتَهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا لَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ مَالِكُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ تَنَاوَلُ مَرَّةٍ. فَإِنْ بَنَاهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْآلَةِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إِلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ جِدَارٌ آخَرُ.
قُلْتُ: الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الْإِعَادَةِ بِلَا إِذْنٍ. فَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ، لَمْ يُعِدْ بِلَا خِلَافٍ، إِذْ لَا ضَرَرَ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» . وَأَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَوْ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ مَنْعِهِ، فَقَالَ فِي وَجْهٍ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ حَقٌّ لَازِمٌ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا وُضِعَ أَوَّلًا بِإِذْنٍ. فَلَوْ مُلِّكَا دَارَيْنِ، وَرَأَيَا خَشَبًا عَلَى الْجِدَارِ، وَلَا يُعْلَمُ كَيْفَ وُضِعَ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَائِطُ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، مِنْ إِعَادَةِ الْجُذُوعِ بِلَا خِلَافٍ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَ «الشَّامِلِ» وَآخَرُونَ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ، وَشَكَكْنَا فِي الْمُجَوِّزِ لِلرُّجُوعِ. وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ نَقْضَهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْدَمًا، جَازَ، وَحُكْمُ إِعَادَةِ الْجُذُوعِ مَا سَبَقَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْدَمًا، لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ نَقْضِهِ قَطْعًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
أَمَّا إِذَا رَضِيَ بِعِوَضٍ، فَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ أَوِ الْإِجَارَةِ، وَسَنَتَكَلَّمُ فِيهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى الْمَالِ، لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ، لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا، جَازَ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنِ الْجَنَاحِ؛ لِأَنَّهُ هَوَاءٌ مُجَرَّدٌ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُشْتَرَكُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ.
الْأَوَّلُ: الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا، أَوْ يَفْتَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute